نشرت إحدى الصحف مقالاً تكلم فيه كاتبه عما حدثه به رجل مسن كان فلاحاً عن معاناة الفلاح لا سيما حين يتأخر المطر، والذي قد يحدث لسنوات، فتتأثر الفلاحة بسبب ضعف النخيل لقلة السقيا والماء الذي تحتاجه النخلة أكثر من بقية الأشجار، ما دفع بالشلفان نقل حديث ذلك الشيخ، وبناء عليه ونظراً إلى هذا الكم من النخيل في شوارع مدينة الرياض وميادينها، وما يلاحظ من ضعف طال العديد منها والذي ربما مرده لقلة الري، ناهيك عن عدم توفر الخبرة عند من يقومون في العناية بها، ما يستدعي منا إعادة النظر في مجمل زراعة النخيل لمجرد الزينة في الشوارع واستبدالها بنوع من الأشجار أكثر جمالاً. والكلام موجه لسمو أمين مدينة الرياض الأمير فيصل بن عبدالعزيز بن عياف، فقد يرى سموه مناسبة الأخذ بذلك وصولاً لجعل مدينة الرياض أكثر جمالاً وأثراً في تلطيف أجوائها الرحبة.. هنا أقول: لا شك أن أجمل شجرة على الأرض هي النخلة، طعام الفقير وفاكهة الغني وشجرة مريم عليها السلام، دائماً وأبداً تراها باسقة تمد عنقها تجاه السماء حتى مع قلة الماء، وهي صاحبة كرم بجميع أجزائها، فتمرها غذاء ليس بعده غذاء، ومن سعفها تصنع مختلف الأواني المنزلية بدءاً من السفرة وانتهاء بالمبرد -توضع عليه حبات القهوة بعد حمسها لتبرد تهيئة لطحنها-، ومن يدخل أي سوق من أسواق الجنوب يصيبه العجب حينما يرى مختلف المصنوعات من سعف النخيل، ومن ليفها الحبال، ومن سيقانها وجذور عسبانها -مفردها عسيب- الحطب، وهكذا بل كانت تبنى أو تصنع من سيقانها وعسبانها أو سعفها البيوت أو أجزاء منها في بعض المدن كمظلة -تسمى العشة-، غالباً ما تكون داخل محيط النخيل تتكون من أربع قوائم عبارة عن جذوع نخيل وسقفها من السعف، فهل نقارن جمال نخلة مريم بتلك العيدان السامقة التي لا ظل لها ولا ثمرة تنتجها، وتشرب من مائنا الزلال، شتان بين النخلتين. والأمر الثاني، أنا ممن يلاحظ أشجار النخيل، وأشهد بأنها ترتوي من الماء ما يكفيها في أي مكان وشارع، ولكن الأفضل مما اقترحه الكاتب أن نزيد الاهتمام بنخيل الشوارع والوزارات والمستشفيات والحدائق، فيوكل أمرها إلى أناس معنيين يلقحونها ويركبونها، وأخيراً يخرطون ثمارها لترسل إلى مصانع التمور بعد غسلها، لتصنع وتغلف وترسل لأولئك الجوعى في أدغال إفريقيا وأمثالها ممن قد يمر عليهم اليوم والاثنان من دون أن يدخل بطونهم مأكول.. وأرى أن يبحث مع الجمعيات الخيرية في هذا الشأن.. وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت بجانبها مريم بنت عمران، وفي الحديث "أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام"، قال عمرو بن ميمون: ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب. ومن هنا نكسب الأجر وإكرام النخلة واحترام طلعها -فهو من أفضل النعم-، بدلاً من أن يتناثر على الأرض فتداس تلك النعم بالأقدام من دون إحساس بها، ويكفي قدراً للنخلة حينما ذكرت في القرآن الكريم عشرين مرة، ويا ترى هل يقبل هذا المسن أن نرمي نخلة ونضع بدلاً منها شجرة لا تثمر؟ لا أظن؛ وأخيراً: هي أم الجمال في شوارعنا وحدائقنا، هذا هو الرأي الذي أراه أصوب وأنفع، بدلاً من استبدالها فيما لا ينفع ويكون ماؤنا في نخيلنا.. فاللهم أدم لنا تلك الشجرة المباركة.