احتفل المواطنون والمقيمون بذكرى تأسيس المملكة العربية السعودية الواحد والتسعين، وهذا الاحتفال الشعبي الضخم يجعلني ابتهج كغيري بازدهار حركة فنية إبداعية في بلادي أراقبها منذ ثلاثة عقود متواصلة، ولدت مؤسسة مسك بفروعها الاجتماعية والفنية والعلمية والتقنية لتمكين الشباب كقادة للمستقبل في عام 2011 تحت رئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، تتميّز هذه المؤسسة غير الربحية عن غيرها المؤسسات الداعمة والراعية للفنون التشكيلية والبصرية والإبداعية ببساطة فكرتها وحداثة تأسيسها وكفاءة فريق عملها، برغم هذا وفي غضون سنوات قليلة، فالتقارير الصادرة مؤخرا من فروع ومجالات وفرق عمل مسك تحتوي على ما يزيد على مئة برنامج ومبادرات مُنفّذة محليا ودوليا، وأكثر من سبعين فعالية فنية معارض وغيرها، 3700 ورشة عمل عامة لتنمية المهارات ومنها القدرات الفنية البصرية والفنون المعاصرة وندوات نقدية وفكرية، وإنتاج إعلامي وأفلام وفديوهات، مردود ذلك كان جيدا لدرجة يصل عدد المستفيدين من زوار وطلبة ومتدربين تجاوزت الألوف، وإقامة معارض لفنانين سعوديين محليا ومشاركات في أكبر وأهم الفعاليات والبيناليهات العالمية، ومنح دراسة للفنانين وبرامج إقامة فنية في الداخل والخارج، وتدشين مكتبة للفنون التشكيلية المحلية، كما نتج عن فعالياتها صفقات بيع لأعمال فنية في عام 2019 مثلا 2.7 مليون ريال من مصدر واحد يتنامى مع تركيزهم في نجاح فعاليات مسك القادمة. في الحقيقة، تعاني الفنون البصرية والتشكيلية بكافة مجالاتها المختلفة من رسم وتصوير ونحت وفنون رقمية، يعاني الفنانون السعوديون كغيرهم من ندرة المشاريع التنموية التي تستقطب المبدعين الجماليين، معتمدين على وجود العمالة والمهندسين الذين يعانون من نقص جُرعة فلسفة الجمال وفكر الفنون البصرية وأشكال التصاميم الفنية، علاوة على ضعف ظهور الهوية في منتجاتنا الوطنية. لذا، يسعد ويبهج التشكيليون وجميع الفنانين البصريين بوجود جوائز مسابقات ومعارض جماعية وفعاليات ترعاها جهات حكومية أو مؤسسات شخصيات اعتبارية برعاية ودعم والاستفادة من طاقات الإبداع والتفكير والمهارة والبراعة عند الفنانين والمصممين والرسامين والخطاطين والمصورين وغيرهم من المبهرين في عالم الفنون البصرية. هذه الحالة من الدعم المجتمعي لشريحة الفنانين -ولو قلّت وندرت وتفاوتت عبر التاريخ- صنعت في الحركة التشكيلية السعودية علامات محلية وإقليمية وعالمية، أذكر على سبيل المثال فقط لا الحصر، تدشين وزارة الخارجية للفن المعاصر مبكرا منذ 1979م وتكرر منها عدة مرات، ومعارض وجوائز رعاية الشباب والرياضة لعقود، مَلوَن الخطوط السعودية، جائزة الباحة وغيرها وعلى رأسها حاليا جهود وزارة الثقافة ومركز الملك عبدالعزيز الحضاري إثراء المدشنين حديثا. لا ينسى التشكيليون والخطاطون والمصورون والمصممون الفضل الكبير والرعاية الضخمة التي تعود للملك سعود والملك فهد عندما افتتحا أول معرض تشكيلي مدرسي مع افتتاح مبنى مديرية المعارف بالرياض عام 1958م، واستمر الدعم والرعاية على يد الملك فيصل الذي افتتح معرض معلمي التربية الفنية بقصر نجمة بالطائف 1384ه، وابتعث عشرات الطلاب لدراسة الفن على أصوله في أرقى كليات الفنون بروما وفينيسيا، وفي 1965م 1385ه افتتح معهد التربية الفنية بالرياض، وفي عهد الملوك خالد وفهد وعبدالله استمر الدعم كذلك أكثر وأكثر، وأثمر وأزهى بعثات عليا للدكتوراه من جامعات ذات تصنيف عالٍ دوليا في أميركا وأوروبا وشرق آسيا، ومعارض للثقافة السعودية بين الأمس واليوم نشرت في أرقى عواصم العالم تحت إشراف سفرائنا بالخارج، تواصل فني جمالي ثقافي إنساني حضاري راقٍ مع أمم وشعوب راقين. كما شملت تلك الرعاية المجتمعية من كافة شرائح المجتمع السعودي، ويعلو تلك الرعايات ملوك البلاد وقادتها ووجهاؤها في دعم الفنانين التشكيليين، بفضل ذلك تأسست الجماعات الفنية منذ عام 1395ه في مكةالمكرمة وأعيد إحياؤها 1425، ثم تأسست جماعة المدينةالمنورة في 1401، ثم جازان 1410، عنيزة، الشرقية 1413، بيت التشكيليين جدة، ذاكرة المربع مكة 1414، الدوادمي 1415، الرياض، 1416، شتا أبها 1426 جماعة الفن الرقمي الرياض 1427 والعديد من الجماعات والتكتلات الفنية تمثّل مختلف الأجيال والتوجهات والطرق الفنية الحديثة. حاليا، تكاد لا تخلو محافظة ومدينة في المملكة العربية السعودية من وجود جماعات تشكيلية وصالات عرض ومسارح لجهات حكومية أو لمؤسسات أهلية أو لشخصيات اعتبارية تدعم الفن والجمال والفكر وتطوير الإنتاج ونشر الإبهاج البصري، معتبرين ذلك ضمن مهامهم البيئية ومسؤولياتهم الاجتماعية دونما يذكروا ذلك كواجب إنساني يقوم به أفراد وجهات مثقفة واعية حضاريا. لعل من مبشرات الخير المستقبلية القريبة، هو احتضان مؤسسة مسك حاليا لعشرات ولمئات وألوف الشباب في برامج سيبرانية وتقنية وعلمية وفنية في مجالات حديثة ومتطورة جدا، ترفع مهارات عليا وراقية عند جيل أبنائنا المستفيدين من تلك الفعاليات والبرامج والمبادرات الوطنية المهمة، مهارات مطلوبة منوعة بين عمليات التفكير العقلية العليا كالنقد والإبداع والتطوير والتجديد والابتكار تنافسيا، مع مهارات تقنية متقدمة ومعقدة ونادرة، بحول الله يعود الإبداع بالمعرفة والفن بالنفع على البلاد واقتصادها المستقبلي؛ فالطاقة المختبئة في عقول وسواعد الشباب، هي من تحيي النبض في قلب المجتمع، قد تتجاوز قوتها طاقة النفط الذي نعتمد عليه في إيرادات اليوم. * فنان وناقد وباحث في الفنون البصرية جانب من مبادرات مسك جانب من مبادرات مسك د. عصام عبدالله العسيري*