أصبحت كثير من الدول المتقدمة اليوم تعتمد على السياحة في رفد اقتصادها، وتعمل الحكومات ما بوسعها من أجل تعزيز هذا القطاع؛ إيمانًا منها بأهميته ودوره في صناعة التحول، وتحريك عجلة التنمية، وانعكاساته على كل نواحي الحياة، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. ولذا وفرت البيئة المناسبة لاستقطاب الاستثمار ورؤوس الأموال من الداخل والخارج، وأنشأت مراكز الأبحاث التي تعنى بإجراء دراسات واقعية تخدم هذا القطاع، ونقل التجارب الناجحة في الدول الأخرى. منذ أن أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤية 2030 ونحن نشهد تحولات كبرى في مملكتنا في كل القطاعات، وتأكيدات مستمرة من قيادتنا على ضرورة استثمار مواردنا استثمارًا أمثل بما يعود بالنفع على اقتصادنا، وينعكس أثر ذلك على رفاهية المواطنين، ولهذا تضمنت أهداف الرؤية تعزيز القطاع الخاص، من أجل خلق مجتمع حيوي، وإنشاء اقتصاد مزدهر، عن طريق التنويع والاستثمار بطرق تضع المملكة العربية السعودية على خريطة الدول المتقدمة. وفي ضوء هذا التوجه الرسمي تعمل المملكة على تقدم التسهيلات اللازمة للسائحين الأجانب فضلًا عن تشجيعها السياحة الداخلية، وتوفير الخدمات التي يحتاجونها في كل مناطق المملكة، وهدفها أن يصل عدد السائحين إلى 100000 سنويًا. إن إحياءنا للسياحة الداخلية تحقق لنا متعة ممزوجة بنكهة الوطن، وتتيح لنا الاطلاع على تراثه وحضارته، ومنجزاته الكبرى، وهي أقل كلفة من السياحة الخارجية، وأكثر فائدة، ويكفي أنها تجسد وعينا بولائنا الوطني، وإسهامنا في تحقيق رؤية المملكة الرامية إلى دفع عجلة السياحة إلى الأمام، لتصبح موردًا تنمويًا واقتصاديًا مهمًا. تسهم السياحة في تعريف العالم بتراثنا، وحضارتنا، وتفتح الباب للاحتكاك الثقافي الإيجابي، وتسهم في نقل عاداتنا وتقاليدنا إلى أنحاء العالم متى كان العاملون لديهم إيمان بخدمة وطنهم -وكلنا بإذن الله نحمل هم الوطن- ونشر ثقافته؛ لأن ذلك يجعلنا نقدم الوجه الحقيقي المشرق للمملكة، ونُري السائحين في معاملاتنا قيمنا الراسخة من التعايش والسلام. يسهم قطاع السياحة بشكل فاعل في استيعاب أعداد كبيرة من العمالة الوطنية، ولأهمية هذا القطاع يجب وضع مواصفات دقيقة لمن يعملون فيه، والتركيز على مهارات التواصل، ولغته، وأسسه وحدوده، وأداء الخدمات بكفاءة عالية، والوعي بالدور الوطني، والإلمام بمناطق المملكة وتراثنا الوطني وعاداتنا وتقاليدنا، فضلًا عن ذلك يجب أن يكون لدى العاملين اعتزاز بالثقافة الوطنية؛ من أجل إعطاء السائحين الوافدين إلى المملكة صورة مثلى عن المملكة بما يسهم في زيادة الإقبال على السياحة. الدول التي اتجهت نحو السياحة ولديها مقومات سياحية أصبحت اليوم من الدول الاقتصادية الكبرى، وأدت العناية بهذا القطاع إلى زيادة إيراداتها، ويكفي أن ندرك أن السياحة متى تحركت رافقها نشاط اقتصادي، وحركة تجارية في كل القطاعات. ونؤكد في يوم السياحة العالمي أن مملكتنا فيها من المقومات والإمكانات الطبيعية البرية والبحرية والتراث المادي وغير المادي، ولديها تنوع في التضاريس، وعمق حضاري، وهو ما يجعلها قبلة السائحين وخيارهم الأول، ولا شك أن بلادنا، بقيادتها الحكيمة عازمة على المضي نحو استثمار كل مقومات البلد في خدمة هذا المجال الحيوي والمهم، وجعله من أهم القطاعات الرافدة لاقتصادنا الوطني. * أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن