يُعد الاقتصاد عصب الحياة في عصرنا الحاضر.. ليس بالنسبة للأفراد بل وبالنسبة للدول أيضاً.. حتى لم يعد مستغرباً خوض الحروب من أجل هذا الاقتصاد.. ومع تزايد أهمية الاقتصاد تشعبت مجالاته, وتنوعت وسائله وطرقه, حتى أصبح شريكا في أغلب أنشطة الدول والأفراد, وما يمكن ان اسميه ثورة الاقتصاد ترتب عليها ثورة أخرى في المفاهيم المتعلقة بالاقتصاد, ومن ذلك مفهوم السياحة الذي لم يعد قاصراً على تنظيم رحلات وإقامة متنزهات يلجأ إليها الناس, وإنما تخطى ذلك إلى عمق الثقافة الوطنية بكل مجالاتها, وبكل تداعياتها. ومن هنا حرص العقلاء والحكماء من قادة الدول على الاستفادة من هويتهم الوطنية وكنوزها التراثية والثقافية وغيرها لتدعيم اقتصادها والنهوض به ليكون قادراً على المنافسة ومتنوعاً بالدرجة التي تسمح له بالمنافسة مع اقتصاديات الدول الأخرى المختلفة ويمكن القول بثقة ان السياحة تحولت في هذا العصر إلى صناعة.. بل وصناعة مؤثرة أيضاً. إن حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين وفي إطار سعيها الدؤوب لراحة أبنائها الذين يمثلون رأس الرمح في عملية البناء والتعمير والنهضة الشاملة التي تشهدها البلاد في كل مناحي الحياة, تسخر كافة الامكانيات المتاحة من أجل رفاهية المواطن باعتباره المحور الرئيس للتنمية وبرامجها, ومما لا شك فيه أن قضية السياحة والترويح عن الأنفس أضحت شغلا شاغلا لكل مهتم بمصلحة الوطن والمواطن, وخاصة من نذر نفسه ووقته وجهده وتفكيره تكريساً للمحافظة على الهوية العربية الأصيلة المتمسكة بقيم الدين نهجاً وسلوكاً ومعرفة وقضايا حياتية شاملة, ومن هذا الواقع الاستثنائي والخصوصية الفريدة قامت الهيئة العليا للسياحة, بدعم كريم من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام ورئيس مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة, من أجل بذل كل جهد قادر وتسخير كل فكر نافذ لدعم صناعة سياحة سعودية رائدة, وعمل كل ما فيه خدمة للمجتمع وتلبية حاجة المواطن السعودي في ظل ما تتمسك به المملكة من قيم فاضلة مستمدة من شريعتنا السمحاء ومن موروثاتنا العربية الأصيلة. ومن هذا المنطلق فإن حكومتنا الرشيدة لم تدخر مالا ولا جهداً إلا وأنفقته على تنمية السياحة التي تعتمد على الإرث أولاً والصناعة ثانياً، فأما الأول فقد حبا الله مملكتنا الغالية بارث سياحي عظيم ومتنوع في معاني تذوقه وجمالياته الطبيعية الممنوحة من خالق الكون لبلاد جعلها مهبط رسالته الخاتمة وبها بيته العتيق الذي يقع في مكةالمكرمة التي تمثل قلب الدنيا وصرتها وحبلها السري المغذي لباقي الجسد روحاً وديناً وإشعاعاً ونوراً.. وفي الجانب المادي أيضاً عملت الدولة بجد لتهيئة المناخ البهي الذي يجلب الهاربين من سجون المنازل وزنازين الشقق وبلادة التكييف الاصطناعي, ليجدوا أماكن سياحية جميلة تلبي حاجات ورغبات أسرهم وتحيي وتغرس فيهم قيم السياحة الداخلية النزيهة عبر المحافظة على تعاليم الدين والحياة الأخلاقية المتمثلة في الأدب والحشمة والحياء والذوق والتمسك بفضيلة الكرامة والمروءة والنجدة والشهامة العربية التي تأبى الاعتداء على أعراض الآخرين أو التسكع والتفسخ على قارعة الطريق والتحلل على شواطئ الأنهار والبحار والمحيطات, ناهيك عن الحرمة الاسلامية الواضحة والآيات البينة الجليلة الداعية إلى عدم التبرج والخروج بالزينة الفاضحة التي لا تليق بامرأة شريفة عفيفة أبداً مهما كانت الدواعي والأسباب. لقد أدركت حكومتنا الرشيدة أهمية السياحة وأولت هذا القطاع الهام بجوانبه المختلفة الاقتصادية والاجتماعية ما يستحقه من عناية وتشجيع, وسعت لتنمية صناعة السياحة وتطويرها ووفرت لها كل مقومات النجاح والدعم, وما تأسيس الهيئة العليا للسياحة إلا إيذان ببدء مرحلة جديدة من التخطيط العلمي المنظم لبناء قطاع سياحي منتج ومتنوع ومتكامل, وقد كان آخر المساعي السياحية الخيرة تلك الندوة الهامة التي شهدتها جامعة الملك سعود وحملت عنوان (السياحة في المملكة العربية السعودية: المقومات والامكانات) والتي عقدت برعاية كريمة من رجل السياحة الأول في مملكتنا الغالية سمو سيدي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام ورئيس مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة, ومما اكسب تلك الندوة أهميتها ارتباطها الوثيق بقطاع حيوي يلعب دوراً مهماً متنامياً في مجتمعنا واقتصادنا الوطني وجمعت نخبة من الباحثين والمختصين وذوي الاهتمام بصناعة السياحة, وقد سعت الندوة لابراز خصوصية السياحة في المملكة العربية السعودية وانسجامها مع قيم وثوابت المجتمع, وأبرزت ما تتمتع به هذه البلاد ولله الحمد من موارد ومقومات الجذب السياحي, فالمملكة قد حباها الخالق عز وجل بمقومات كبيرة تغري بقيام نشاط سياحي كبير كونها واسعة رحبة تضم بيئات وجغرافيات متعددة في معطياتها ومتنوعة في خصائصها, بلاد حباها الله بالحرمين الشريفين وميزها بميزة الإقبال التلقائي والكبير والمتزايد من جميع المسلمين الذين يزورون هذه البلاد المقدسة لأداء الحج والعمرة, كما أنعم عليها المولى سبحانه بولاة أمر متبعين ومطبقين لكتاب الله وسنة نبيه محمد, صلى الله عليه وسلم, وأكرمها بشعب مثابر ومتطلع دائماً للتطور والبناء والإسهام في مجالات التنمية المتعددة, مخلص لربه عز وجل ثم لوطنه ولولاة أمره, يضاف لكل هذا ما تتمتع به المملكة من شواطئ بحرية مميزة وجبال مخضرة ومناخ ملائم وآثار تاريخية تشبع نهم كل الطبقات, وتكون بفضل الله محل نظر وإعجاب السائحين. إن رئاسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز لمجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة, يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأننا أصبحنا على مشارف الفعل السياحي المتميز, حيث ظلت الهيئة تحت رعايته الواعدة الداعمة تسجل النجاح تلو النجاح وتحقق رغم حداثتها وعمرها القصير انجازات كبيرة, وتضع الخطط والبرامج لتحقيق تطلعات الدولة لصناعة سياحة سعودية عصرية تكون عوناً مثمراً لاقتصادنا الوطني, وقد تميزت نظرة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الثاقبة بالادراك العميق لأهمية التعاون بين الدولة والمواطن القادر في هذا المجال المهم لتحقيق كل ما يخدم المجتمع ويلبي حاجة الفرد في ظل ما تتمسك به المملكة من قيم فاضلة مستمدة من شريعتنا السمحاء ومن موروثاتنا العربية الأصيلة, حيث أكد سلطان الخير ان الدولة بحرصها على تنمية السياحة في المملكة تعقد آمالا مستقبلية عريقة يأتي في مقدمتها إبراز الوجه الصحيح للقيم والحضارة الاسلامية وعرض موروث المملكة وتراثها الثقافي وتعزيز الشعور بالفخر والانتماء للوطن, وذكر سموه بأن الوطن قد عهد من أبنائه الوفاء له والتزامهم الرقي به وأنه يقع على أبناء هذا البلد وخاصة أصحاب رؤوس الأموال واجبات كبيرة تجاه السياحة الداخلية وان على رجال الأعمال ان يتحملوا مسؤولياتهم تجاه الرقي بالسياحة الداخلية, وأبرز الأمير سلطان حرص الدولة على تحفيز دور القطاع الخاص في التنمية السياحية وجذب الاستثمارات لهذا القطاع بفضل التسهيلات الكبيرة والبنية الأساسية القادرة على تقديم خدمات جيدة للمستثمرين, وإتاحة فرص الاستثمار الكبيرة ذات الجدوى الاقتصادية العالية لخدمة القطاع السياحي بالمملكة, في ظل الحقيقة الباهرة بأن السياحة تعتبر أكبر القطاعات الاقتصادية نمواً في العالم, وأكد الأمير سلطان أن تعاون الجميع يجعل صناعة السياحة تقوم على أسس مدروسة تهدف إلى الاستثمار الأمثل للمقومات العديدة في المملكة لتكون قطاعا انتاجياً مهماً وواعداً في الاقتصاد الوطني يسهم بعون الله تعالى في زيادة النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل وتوفير الفرص الوظيفية للمواطنين وتحقيق التنمية على مستوى المناطق والمحافظات بما يحقق أهداف التنمية الشاملة فيها على مختلف الأصعدة, مع ما به من دعم للاقتصاد والتنمية الوطنية. إن المملكة فضلا على كونها مهد الاسلام وموطن الحرمين الشريفين فهي تحظى بتميز جغرافي حضاري عريق بما تمتلكه من موارد طبيعية متنوعة وما تختزنه من تراث ثقافي واجتماعي زاخر وما تحويه من وسائل الجذب السياحي وما تضمه من مقومات بيئية أساسية يمكن لها ان تسهم في تنمية سياحية ناجحة ومتميزة بإذن الله تعالى, فهنا الجنوب الساحر الخلاب الأخاذ بتلال وشلالات ووديان جارية وسط الشعاب وتحت زخات المطر السخية تؤكد لنجاحنا بصناعة سياحة حقيقية جذابة ترتدي النقاء وتفاخر بالأمن في هذا الوطن المحروس بحول الله برغم أنف الإرهاب, أمان تام على المال والعيال, هنا في سياحتنا الداخلية أما الخارجون إلى جحيم السياحة الخارجية بهمومها وغمومها فعليهم أن يعودوا إلى رشدهم بعد ان يقلبوا دفاتر الماضي السياحي الاليم فكم من دولارات أنفقت هباء منثورا وهويات ضاعت وأطفال تبلدوا بسبب رؤية عيونهم للمناظر الكالحة المقيتة الباردة الميتة. علينا جميعاً التكاتف لتنشيط عمل الهيئة العليا للسياحة في بلادنا, ولنبارك جهودها المخلصة التي تسعى للحد من نزيف موسم السياحة؟ وكم هناك من التوصيات والقرارات والندوات والمنتديات والملتقيات وكل مترادفات تسعى لابقاء السياحة الوطنية عالية ولا يُعلى عليها, بالله عليكم دعوها تخرج من محابسها في أدراج المكاتب وانشروها على أجنحة الخطوط السعودية وفي صالات المغادرة وفي مكاتب السياحة في بلادنا, وفي فنادق بلاد السياحة المختلفة حتى تكون عبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد, وأدعو كل من حزموا حقائبهم وأغلقوا بيوتهم ويمموا وجوههم شطر بلاد العم سام أو بلاد الصقيع بالغرب أو بالشرق أن يفارقوا محرقة السياحة الخارجية ويسهموا بما أعطاهم الله من الرزق والولد في تنمية مشروعات سياحتنا الداخلية في أبها البهية أو في دعم مهرجانات الصيف المعتادة في مناطقنا الجميلة التي عزفت لحنها منذ أمد بعيد بأنها مناطق سياحية تعبق بالجمال والخصوصية وتزدان بالأعراف والعادات الكريمة. سيدي سلطان ان دعمك للسياحة في مملكتنا يبعث غبطة كبيرة وراحة مقيمة تظلل الكل بالحيوية والنشاط والسعادة التي تعتبر محور ارتكاز الأسر التي أضحت تصغي لحفيف زهورك اليانعة وأنت تطرز رؤوسنا زهوراً وتيجاناً وتشرع باب أمسنا ويومنا وغدنا. , فإليك يا سلطان البهاء أتوجه بكلماتي وأنت تتوارى كقمر يغوص وراء كثبان الغيوم ولا نستطيع أن نغيب كأننا تلك الغيوم التي تبقينا قبالة زيت عينيك حتى في دقائق الذبول, نرجو الله ان يديم عليك صحتك لتنير لنا الطريق القويم, كما نرجو سبحانه ان يدلك يا سلطان الخير على كل ما فيه الخير وان يعينك على ما أوكل إليك من مهمات جسام, وأن يبقيك ذخراً لنا جميعاً وكل عام وأنتم بخير. الرياض - فاكس 014803452 [email protected]