نورة بنت سعد السراء «أم خالد الباحوث» سيدة جوادة، كريمة، جليلة المقام ورفيعة القدر، سادت على الجود عمرها كله، إلى أن جاد بها المرض فرحلت إلى مستقر يليق بطهرها، لقد كانت الدنيا بوجودها أحن، لقد كانت ألطف، وبرحيلها نقص شيء من عذوبة الحياة وحلاوتها. يرحل الكثيرون، يرحل من كأنه لم يكن يوماً من الأحياء، ويرحل مَن يتعكر لفقده صفو العمر، رحيل «أم خالد؛ سيدة الطيبين يعني أن الدنيا نقص من طيبها شيء، يعني أن الحنان لم يعد زاهٍ كما كان في وجودها، انطفأ مصباح كان لأهله أُنساً، باتت الوحشة ساكنة في جنبات روح لا تطيق وداعها، حدقات أحبابها لا تهدأ تبحث عن أطيافها، لعل طيفاً يربّت على كتف مكروب أوهنه الفقد فيصبّر قلبه ويجبر. «أم خالد» بل أمنا كلنا ونحن لها جميعاً أبناء وبنات، لقد أحببتها كثيراً، ولست وحدي، فهي أهل للحب، ولقد أكرمتني بمحبة نقية كنقاء قلبها وطهره، لقد كانت طلقة المحيا، بشوشة الوجه، دافئة الصوت، حلوة المعشر، حديثها لا يمل. «أمي نورة» ينطق أحفادها اسمها بجذل ومحبة، ومن قلبها الكبير إلى قلوبهم الصغيرة يتدفق السعادة والأمان ودفء حنو الانتماء، فهم عذوقها الطيبة وامتدادها ورحابة حضنها الرؤوم الرحيم. لا أدري أقدم التعازي لمن؟ فالكل ينعيها، الكل يبكيها ويشعر أنها فقيدته، وفي كل قلب من أسى ما، وفي كل قلب انقبض لنبأ وفاتها. لا أدري كيف أرثيها؟، وكيف لي أن أرثي من كان حضورها أقوى من أن يهمشه مرض أو موت؟! لقد أمسى النظر ساهماً حائراً، والوجوم يرشق وجوه أحبتها إنكاراً لرحيل من عمّرت الحياة حباً وبهجة. غيابها أحدث شرخاً عميقاً في صدر الأيام لا يرأب، سنفتقد الابتسامة السخية والأدعية الكريمة، سنفتقد روحاً طيبة طابت بها الحياة. سنفتقدك كثيراً، سلاماً عليكِ يوم متِ ويوم تبعثين حية، استودعناك ربّاً رحيماً، وجعلك الله في مستقر رحمته راضية مرضية. أقبّل جبينك الوضّاء.. إلى اللقاء، إلى جنة الفردوس يا الغالية.