مات سعد الفريح.. هكذا تلقيت النبأ.. وبقيت صامتاً من هول الصدمة.. رغم تسليمي بقضاء الله وقدره.. لكنها الفجيعة.. هكذا تسكن قلوبنا حين ينزع الموت أحد أحبائنا. .. أبا وضاح.. حين لقيتك قبل فترة ليست طويلة.. قلت لك: بودي أن نحدد موعداً نلتقي فيه.. نجدد فيه ذكريات العمر.. وحكايات السنين.. وكنت تستمع إليّ.. وقلت لي بعدها: أتمنى هذا الموعد وأرجو ألا يكون بعيداً.. وافترقنا.. وما كنت أدري أنه اللقاء الأخير.. وأن الموعد الذي كنا نتمناه لن يتم.. وأن قدرك وأجلك أسبق.. لترحل إلى دار الخلود في جنة عرضها السموات والأرض عند رب غفور رحيم. .. أبا وضاح.. كنا رفقاء درب.. وزملاء مهنة.. وإخوة حب.. أرى فيك نبوغ المبدعين.. ورهافة حس الفنانين.. تطوع خيالك المجنح لفن الإخراج.. وأذكر أنني قلت لك مرة.. إنك يا سعد مخرج روائع.. لزمن لم يأت بعد.. وتجيبني وأنت تشد شعرك: آه.. لو يتيح لي العمر أن أترجم كل خيالاتي إلى واقع. .. أبا وضاح.. عملنا سوياً.. في زمن الأبيض والأسود.. وعملنا سوياً بعد أن تعددت الألوان.. وفي كل مرة.. أكتشف فيك عالماً جديداً من الإبداع.. وكان القليلون، والقليلون جداً هم الذين يسايرون موهبتك الإخراجية صورة وصوتاً وخيالاً. ..أبا وضاح.. لازلت أذكر كلماتك لي بعد الظرف الصحي الصعب الذي مررتُ به وتجاوزتُه بفضل الله وحمده.. حين قلتَ لي: لا ترهق نفسك فنحن في حاجة إليك.. وبعد دمعة تأثر انحدرت من عيني قلت لك: قدري وقدرك يا سعد أن نتعب ونتعب.. من أجل هذا الوطن الذي عشقناه سوياً.. وعمري يرخص من أجله.. وبشعور الوفي الحبيب دعوتَ لي بالصحة.. ولم تزل توصيني بالرفق على بقية العمر. .. أبا وضاح.. أفتقدك.. في زمن قلَّ فيه المبدعون أمثالك.. وكثر فيه الغثاة كغثاء السيل.. والمبدعون ياسعد هم الذين يصنعون بصمات إبداعهم في عطايا سنينهم وإنجازات عقولهم.. ويفتحون من خلال هذا العطاء وذاك الانجاز أبواب مدرسة يتعلم منها الآخرون ويستفيدون وحسبك يا سعد.. أنك فتحت فصول مدرسة من الابداع في مجال الإخراج والإعداد التلفزيوني استفاد منها الكثير من تلامذتك وزملائك داخل التلفزيون.. وستظل هذه الفصول متوهجة بذكراك وفنك يستفيد منها الآخرون حتى بعد رحيلك. .. أبا وضاح.. كان موعدي المرتقب معك.. سيكون قريباً في المدينة التي خرجت منها طموحاً وعاشقاً ودارسا لفن الإخراج، والتي دفنت فيها ابناً باراً ولمساتك الإبداعية تركتها أثراً في المغواة عند الجبل الأشم الذي سيستقبل فيه أهلك الطيبون قائد مسيرتهم خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلال زيارته لمنطقة حائل.. والذين ذرفوا الدمع على رحيلك.. سيحرصون على عكس ما رسمته من خيال وإبداع في حفل حائل وبرنامجه الذي اخترت له عنوانه (سافرت وأنورت) والذي أردته أن يكون هدية حائل للمليك الغالي. ومع الحفل القادم.. سنراك أيها الغالي.. في كل لقطة جميلة وفي كل نغمة مبدعة.. وفي كلمة كلمة مجنحة.. فقد تركت أدوات الإبداع ولقطات الجمال.. ورحلتَ.. لتبقى في ذاكرتنا وقلوبنا فنانا مبدعاً وإنساناً مرهفاً سنذكره على الدوام.. ولن ننساه على مر الأيام. .. أبا وضاح.. لا أرثيك.. لأنك رفيق درب.. وزميل مهنة وصديق وفاء فحسب.. بل أرثي فيك طيبة لم تعرف الحقد يوماً، وأرثي فيك حناناً صدقاً لم يجفا يوماً داخل قلبك.. وأرثي فيك نقاء طهر في تعاملك مع الآخرين.. وأرثي فيك رقة إحساسك التي ينحدر فيها دمعك مع كل موقف إنساني تتأثر به.. أرثي فيك نبل خلقك.. وطيب معدنك.. ومثالية تعاملك. .. أبا وضاح.. لم نلتق في موعد حددناه في الدنيا.. ولكنني أتمنى أن يكون لقاؤنا عند رب غفور.. وفي جنات النعيم. رحمك الله.. وأسبغ عليك شآبيب مغفرته. وألهم إخوتك وأبناءك وأسرتك وزملاءك وأصدقاءك عزاء الصبر، وجميل السلوان.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.