ومؤلم أكثر أن تكون بالأمس معه في حديث لا تزال نبرات صوته ترن بين أذنيك وبين جدران قلبك، لكن الإيمان بقضاء الله هو الكفيل بتخفيف آثار كل مصاب، ألم يقل الله تعالى وهو مالك الموت والحياة (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً) رقم الآية (145) السورة (آل عمران). أجل. وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً. ما أعظم هذه الحقيقة وما أصدقها وما أوفرها جلباً للطمأنينة في أعماق المؤمن! *** ** بالأمس سكن الألم مسارب نفسي وأنا أتلقى نبأ وفاة عزيز هو عنوان لأندى المكارم، وأجمل الشيم ألا وهو الصديق الأثير عبدالعزيز بن عثمان العسكر تغمده الله برحمته ورزقنا الصبر على فقده!. بالأمس أراد الله أن تصمت نبضات قلب هذا الإنسان الفاضل.. هذا القلب الذي لم يمتلىء إلا بمحبة الناس والوفاء لهم. لعل هذا القلب المشفق لم يستطع أن يتحمل آلام الدنيا ومصائبها فصمتت نبضاته، ولكنها جعلت نبضات قلوبنا ترتعش هلعاً على فراقه..! لا أتصور أحدا عرفه من قريب أو زميل أو صديق أو جار إلا وأحبه لما رأى فيه من خلق وسلامة قلب. أبا عثمان الراحل. أنا ارثيك أم ارثي نفسي وأنت تحت التراب. أعزيك أم اعزي ذاتي وذوات كل محبيك! لقد عرفتك على مدى سنوات طويلة وعرفك غيري فلم نر منك إلا نبيل الخلق، وحسن المعشر، وصدق الحديث. ** ليرحمك الله أيها العزيز. ما أقسى الدنيا عندما تخلو من أحبائنا والغالين علينا! إنها تكون أشبه بنفق موحش مظلم لا أنيس فيه!. وما أصدق ذلك الشاعر المفجوع الذي لكأنه يعبِّر عن كاتب هذه السطور وهو يعيش فجيعة غياب هذا الصديق الغالي: (غاب تحت الثرى أحباء قلبي فالثرى وحده الحبيب الخليل) *** أيها الراحل الغالي: كم ستكون «لقاءاتنا» مساء كل جمعة حزينة وهي تفتقدك! أجل إنها ستكون موحشة بدونك. مجدبة بغيابك. مفجوعة برحيلك ولكنها إرادة الله! إن عزاءنا أيها الغالي الراحل. انك تركت بحمد الله ذكراً طيبا فيما قدمته في حياتك وأولها برك بوالدتك التي فارقتك وأنت وحيدها وهي راضية عنك وأسأل الله في هذه اللحظات التي ودعناك فيها أن يكون جمعك بها في جنة المأوى حيث لا فراق ولا موت ولا آلام!. وإن عزاءنا «استقامتك» التي عُرفت بها بحمد الله ، ولقد قال أحد الصالحين «إن كان الميت صالحا فاجعلونا نهنىء به وإن كان على غير ذلك فاجعلونا نعزي». وإن عزاءنا أولادك الأخيار فلقد عرفناهم ورأينا آثار تربيتك لهم نجاحا وفلاحا وشهامة.. وإني لأسأل الذي حرمك أن تشارك في فرحة زفاف ابنك البكر عثمان ألا يحرمك ولا يحرمنا جميعنا الفرحة بلقائك في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر! فيا أولاده الأعزاء «بنين وبنات» ارضوا أولاً بقضاء الله وقدره وتذكروا أن الموت مصير كل حي ومن لم يمت بمرض يمت وهو بكامل صحته، وأكملوا مسيرة والدكم في حب الناس، وعمل الخير فهذا أكبر وفاء له رحمه الله . *** ** أيها العزيز الغالي: أبوعثمان.. وهذا هو الاسم الذي تعودنا أن نناديك به حتى انه عندما يقال «أبوعثمان» كأنه ليس في الوجود أحد يكنى بهذا سواك!. إن أجمل عزاء لأسرتك من أبنائك وبناتك وزوجتك الوفية ولنا جميعا نحن محبيك هو قول ربنا: «ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه» رقم الآية (11) السورة التغابن. وإلا فإنه ليس أشد ألما في الدنيا مثل أن يرحل أمثالك ولكن ما نقول إلا ما قاله ذلك الحكيم «إذا قضى الله فاستسلم لقدرته ما لامرئ حيلة فيما قضى الله» فصبراً يا أبناءه وأبنائي، ففجيعتنا واحدة ولكن يقين الإيمان ونعيم الرضا هي التي تهب الصبر، وتخفف أحزان الفراق وتمسح الأشجان. اللهم تغمد الغالي الراحل عبدالعزيز بن عثمان العسكر بواسع رحمتك واجعل قبره روضة من رياض جنتك، واجبر مصيبة اسرته ومحبيه بلقائه في الفردوس الأعلى.