أعلى درجات انتماء الإنسان ينبغي أن تكون للوطن وحده دون سواه، ما ينعكس على ازدهاره ونموه وتطوره -وكل انتماء عدا ذلك، انتماء صغير ينبغي ألا يطغى على أي برنامج عمل خاص أو عام، أو خطط إصلاح لا يقاس عمر الدول بالسنوات بل بمقدار ما تبنيه وما تنجزه على كل الأصعدة، وقد تطورت بلادنا في السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا أغضب الأعداء ومن في قلوبهم مرض، بل حتى بعض المنافسين الذين استفادوا كثيرًا من القيود التي فرضت على بلادنا وشعبها ذات جحيم صحوي تاجر أربابه بالدين أمدًا طويلًا. وقد أكد الأمير محمد بن سلمان أن قصص النجاح تبدأ دائما برؤية: «وأنجح الرؤى هي تلك التي تبنى على مكامن القوة»، ولا ريبَ أن بلادنا تمسك بنواصي كثير من صور القوة؛ من تاريخ ضارب في عمق التاريخ، إلى مساحة شاسعة، وتضاريس متنوعة، ومواقع أثرية، وتراث ثقافي وفني إلى ثروة بشرية واقتصادية هائلة، وموقع مميز في قلب العالم، علاوة على قيمة روحية لمسلمي العالم، وغير ذلك مما أشعل نيران الغيرة في قلوب الحاقدين والحاسدين والمنافسين من بعيدين وقريبين. وتحقيقًا لهذا فقد أسست بلادنا رؤية العام 2030، فشيدتْ بموجبها كثيرًا من المشاريع التنموية ذوات عوائد اقتصادية واجتماعية ضخمة لرفعة الوطن ومواطنيه، فالمشاريع الكبرى لا يقدر عليها إلا ذوو الهمم كبرى، فلا عجب أن يشير ولي العهد إلى هذا بقوله: «طموحنا أن نبني وطنًا أكثر ازدهارًا، يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، فمستقبل وطننا الذي نبنيه معًا لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم»، وقوله: «لسنا قلقين على مستقبل المملكة، بل نتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقًا، قادرون على أن نصنعه -بعون الله- بثرواتها البشرية والطبيعية والمكتسبة التي أنعم الله بها عليها». لقد أكد كثير من الفلاسفة والمفكرين على أن التعليم مسؤول في المقام الأول عن تحديد هوية المجتمعات، بما هي سلسلة متشابكة من الأطر التي تبرز ملامحها وتميزها عن مجتمعات وثقافات أخرى، إذ لم يعد الازدهار الاقتصادي وارتفاع مستوى المعيشة وانتشار الوعي الصحي كافيًا للحكم على رقي المجتمع وتطوره بل لا بدّ أن يصاحب ذلك تطور تعليمي وثقافي وأنماط تربوية وسلوكية، تؤتي ثمارها وتنعكس مستقبلًا على البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ لذلك تضمنت أهداف رؤية 2030 التعليم بما هو الإطار الذي يرقى بالناشئة ويؤهلها للنهوض مستقبلًا بالوطن وقيادته على مختلف الصعُد؛ بتوفير فرصه للجميع، ورفع جودة مخرجاته، وزيادة فاعلية البحث العلمي، وتشجيع الإبداع والابتكار، وتنمية قدرات منتسبي التعليم ومهاراتهم. ولا ريبَ أن هذا الهدف جاء ترجمة لقول الأمير محمد بن سلمان: «ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت: شعب طموح، معظمه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمان مستقبلها بعون الله». وبما أن أعلى درجات انتماء الإنسان ينبغي أن تكون للوطن وحده دون سواه، ما ينعكس على ازدهاره ونموه وتطوره -وكل انتماء عدا ذلك، انتماء صغير ينبغي ألا يطغى على أي برنامج عمل خاص أو عام، أو خطط إصلاح- فقد تنبه كثير من المواطنين لهذا وأثبتوا ولاءهم للوطن لا لشيء سواه، لا سيما أن الأمير محمد بن سلمان بثّ في نفوسهم طاقة إيجابية مذهلة، فهم الشعب الذي شبهه بجبل طويق، رفعة وشموخا وصلابة، وبالتالي هو شعب يستحق أن يحظى بقادة قادرين على إيصال وطنهم إلى عنان السماء. لقد انشغل المواطنون بالوطن وابتهجوا به، فلم تعد تعنيهم تلك الهجمات الممنهجة الممولة من دول مجاورة ضد بلادنا وقادتها، تلك الهجمات التي لم تحقق ما هدفت إليه برصد ملايين الدولارات، لشراء ذمم قادة ورجال سياسة وأحزاب وإعلام في العالم بأسره، فكل ما تمنوه لتكون بلادنا ساكنة جامدة عديمة الحياة والتأثير في المجتمع الدولي، دون خطط أو رؤى طموحة، باءت بالفشل وتهاوت أمام وحدة بلادنا، وعزم قادتها على السير بخطى ثابتة يعرفها العدو قبل الصديق، ولا عزاء لخونة الوطن الذين يقبع بعضهم في دول الجوار، وبعضهم الآخر في دول الغرب تمولهم دول ومنظمات وشخصيات، فلا شك أنه يسوؤهم ما تحظى به بلادنا من تطور وازدهار واستقرار. تحلّ هذا اليوم الذكرى الحادية والتسعون لليوم الوطني لبلادنا، وهي تعيش أزهى عهودها التي تجسد مشاريعها الكبرى التي راهنت عليها في رؤيتها الطموح 2030، وفي مقدمتها مشاريع البحر الأحمر ونيوم ومبادرة السعودية الخضراء والبرنامج الوطني للطاقة المتجددة، ومشروع القدية والقمر الصناعي شاهين، وبرنامج تطوير الدرعية التاريخية، وفي كل هذا تبدو بلادنا فاتنة كعروس لكن في عامها الحادي والتسعين. ولا أجمل في هذا المقام من التغني ببعض أبيات قالها مصطفى صادق الرافعي متغنيًا بوطنه بمفاهيم ومعانٍ لا يعرفها أولئك الخونة والمتآمرون، ولا يستشعرون قيمتها، لأنها عن وطن لا يستحقونه، ولا يشرفه انتماؤهم إليه : بلادي هواها في لساني وفي دمي يمجدُها قلبي ويدعو لها فمي ولا خيرَ فيمن لا يحبُّ بلادَهُ ولا في حليفِ الحب إنْ لم يُتيمِ ومن تؤوِهِ دارٌ فيجحدُ فضلَها يكنْ حيوانًا فوقه كلُ أعجمِ ومن يظلمِ الأوطانَ أو ينسَ حقَها تجبْه فنونُ الحادثاتِ بأظْلُم وما يرفعُ الأوطانَ إلا رجالُها وهل يترقّى الناسُ إلا بسلمِ ! ختامًا إن ّما يخيّب آمال الداعمين للخونة، أنّ أولئك مجموعة من الغوغاء والسفهاء والمخادعين، فلا يعدو ما يفعلونه الصراخ والشتائم والأكاذيب؛ بدءًا من كبيرهم (السفيه) وزميله (المسعور) وحفنة من سُراق المال العام الفارين إلى أميركا وكندا، وإحدى دول الجوار، وليس انتهاء بأبواق جديدة لصغار تافهين يستدرجونهم للغاية ذاتها، يجدون فيهم خسة ونذالة واستعدادًا للهجوم على بلادنا للتكسب.