أجمل ذكريات السفر، وأروع تجارب الرحلات، وأعمق الصداقات التي توثقت، هي تلكم التي كسبتها من سفري لوحدي! السفر من دون رفقة تجربة إنسانية فريدة، بما فيها من مغامرة وانطلاق، لا تكشف لك فقط الوجه الحقيقي لثقافات الأمم، بل حتى عن نفسك الكثير، فيه تطوير للمهارات والقدرات، من التخطيط واتخاذ القرار إلى حسن التصرّف والتواصل مع الثقافات المختلفة، فأنت تخطط رحلتك بناءً على ما ترغب، بدلاً من مراعاة رغبات رفقاء الرحلة على حساب نفسك، وبالتالي مضاعفة استمتاعك بوقت رحلتك المحدود، أيضاً فرصة للعزلة والتأمل، والأهم سهولة تكوين الصداقات وبناء العلاقات، وهذا مما يزيد الثقة بالنفس، ويحسن المهارات الاجتماعية. لدي اليوم أصحاب حقيقيون ومعارف رائعون في بلدان مختلفة، من أميركا وروسيا ومروراً بأستراليا والمملكة المتحدة وحتى مصر والأردن، لدي ذكريات شخصيّة وليست تقليدية كما أغلب السياح، لأماكن وقصص ما كانت لتحدث لو لم أكن لوحدي، منها زيارة أندية حصرية في لندن، حمّام شعبي على تخوم كييف، وجبة غداء مع عائلة تشيكية، الانصهار في أعماق الصعيد المصري، وغيرها كثير مما أحفظه في صندوق ذكرياتي. في الجانب المقابل قد تشعر بالوحدة حينما تسافر من دون أصحاب –رغم أن الهواتف الذكية قضت على ذلك-، كما أن تكلفة السفر وحيداً أعلى مقارنة بما تشاركه مع أصحابك، ورغم أن السفر منفرداً لا يعد أمراً خطيراً، لكن يجب توخي الحيطة والحذر، كعدم الخروج ليلاً، تجنب المرور بالمناطق النائية أو المهجورة، ضرورة فهم الثقافة المحلية في التواصل وردود الفعل، حتى لا يحدث ما يحمد عقباه. لذا من المهم إن رغبت في تجربة هذا الأسلوب أن تتدرج في ذلك، بأن تبدأ برحلات قصيرة وقريبة، وأن تتزود بالمعارف والمعلومات اللازمة، وأن تكون مستعداً للتعامل مع المواقف الطارئة. بالتأكيد وجودك منفرداً سوف يُجبرك على التواصل مع السكان المحليين بشكل أكثر وأعمق، ناهيك عن تَشجعهم على الحديث والتواصل معك، وبالتالي تندمج في الحياة اليومية وتقترب أكثر من الثقافة المحلية، بدلاً أن تبقى أسيراً لثقافتك حينما تكون مرتحلاً مع أصدقاء يشاركوك الثقافة واللغة نفسها، حتى لا تكون ممن سافر جسدياً لكنه لم يغادر بيئته المحلية قيد أنملة! واليوم أضحى السفر لوحدك أسهل بكثير، خاصة مع وجود الكثير من المواقع الإلكترونية التي تزيد من متعة الرحلة، بعضها يوفر سكناً مجانياً لدى السكان المحليين مثل Couch Surfing، أو تلكم التي توفر خيارات بيوت الشباب والنُزل الرخيص والتجارب المحلية، ولا تنسَ المواقع التي توفر فرص السفر مقابل التطوّع مثل Work Away، والرائع في الأمر أنه مع تكرار سفرك وحيداً سوف تُطور أسلوباً يناسب مزاجك، مما يزيد من سعادتك ورضاك. ثق تماماً أن سفرك لوحدك سوف يعود عليك بفوائد متعددة منها: أصحاب جدد، خبرات فريدة، ذكريات لا تقدر بثمن، والأهم أنه قد يغيّر مسار حياتك!