كم من الصّعب أن يكتب الإنسان عن ألم الفراق ولوعته وألم الفقد وحسرته، لا أتكلّم هنا عن فراق صديق أو زميل أو قريب أو جار بل عن فراق أبدي لأعزّ إنسان. فراق ورحيل مؤلم وموحش في حياة أي إنسان منا، فراق يدمي القب فراق لا يمكن أن تصفه الكلمات... إنه فراق ورحيل «الأم» الأبدي. صباح يوم الجمعة الماضية غيّب الموت «أُمّي» نهر الحب والحنان والتضحية والعطاء اللا محدود وملاذي الآمن والأمين بعد الله. رحلت «أُمّي» الحبيبة والغالية وهي: مؤمنة.. صابرة.. محتسبة على ما أصابها كعادتها في كل رزية تحيط بها وما أكثر دوائر الفقد والفراق التي أحاطت بها وبقلبها المتعب خلال سني عمرها، فخلال الخمس السنوات الأخيرة لا يكاد يمر الشهران أو الثلاثة إلا وتفقد أخا أو أختا في مشهد يتكرر، فكانت تواجه ذلك بالرضا والتسليم والإيمان بقضاء الله وقدره. رحلت «أُمّي» وكنتُ أظنها سوف تبقى بجواري للأبد، رحلت من كانت نورا وبهاءً وضياءً أضاء حياتي، رحلت عن دنياي وتركت فيّ جرحًا وحنينًا لصوتها، طباعها، روحها، ضحكاتها، فرحها، حزنها، دعواتها، كذكريات في أعماقي وكجمرة ممزوجة بالألم لا يبددها ولا يطفئ لهيبها إلا الرضا والتسليم بأنك يا «أُمّي» رحلتي لرب غفور رحيم كريم. حزني يا «أُمّي» على رحيلك رغم مرارته ليس اعتراضًا على مآلك كلا وألف لا.. فهذا أمر إلهي نافذ وسنته ماضية في خلقه سبحانه، بل حزين يا «أُمّي» لأنني حملتك في أيامك الأخيرة إلى ما لا تحبين ولا ترغبين وكل ذلك لأجد لك متسعًا من البقاء في هذه الدنيا الفانية بقربي، حزين يا «أُمّي» لأنني سأفتقد لتلك اليد الحانية التي كانت تدفع عني برد الهم وتنفض عني غبار النكد، وانكسارات الحياة، حزين يا «أُمّي» لأنني سأفتقد لتلك الدعوات التي تنير لي دربي وتعينني على همومي القادمة، حزين يا «أُمّي» لأنني لم أروِ عطشي بعد، ولم أشبع نهمي من كل شيء فيك، حزين يا «أُمّي» لأنني اتفقد منزلك يوميًا وأبحث عنك هنا وهناك ولا أجدك.. فلا طعم للحياة يا «أُمّي» بلا «أمّ». في لحظاتها الأخيرة أمسكت بيدها لأواسيها فيما تعانيه من ألم المرض وشدته فإذا بها هي من تواسيني وتهدي من روعي قائلة: «لا تجزع يا حبيبي ولا تحزن فأنا لا أخاف الموت وهذه هي سنة الله ماضية في خلقه وراضية بما سيكتبه الله لي» هكذا هي «أُمّي» حتى في لحظاتها الأخيرة من هذه الدنيا الفانية كنت أنا وأخوتي وأخواتي وكل المحيطين بها أكبر همها وهاجسها الكبير لا تريد منا أن نخاف أو نتضايق يا الله ما أكبر قلبك وما أعظمه يا «أُمّي» حتى وأنتِ في لحظاتك الأخيرة تفكرين في أبنائك وبناتك. فاصلة: جزى الله عنا وعن أخوتي كل من واسانا في فقيدتنا الغالية بحضور أو باتصال أو بأي أشكال المواساة خير الجزاء، وأسأل الله العلي القدير في علاه ألا يريكم -وأي أحد منكم- مكروهًا فيمن تحبون.