الحاجة العملية لتنسيق ورسم تخصصات الاتصال المؤسسي، تمت بدمج التخصصات التي كانت تندرج سابقًا تحت عناوين الإعلام والتسويق والعلاقات العامة.. وأتى الاتصال الداخلي ليكون الأهم والأبقى اليوم.. اتصال الشركات بمنظور تاريخي موجز، هو التسويق والعلاقات العامة، ومنها بدأ تطور تخصصات وتقنيات الاتصال التي تستخدمها المنظمات للترويج أو الإعلان أو الإعلام بشكل عام منذ 150 عامًا على الأقل كما حددها أرباب «الاتصال المؤسسي». ومن بدايات الثورة الصناعية واستمرارها حتى الثلاثينيات، وهي حقبة تميزت في الغالب بالإنتاج والاستهلاك الضخم، كان نوع «الاتصال» التي كانت تستخدمه المنظمات حينها يتألف بشكل كبير بالدعاية والترويج وأنشطة البيع نحو أسواق مزدهرة، هم يرونها! وبحلول أوائل القرن العشرين، أدركت كل «مؤسسة» أنه يتعين عليها المشاركة من خلال التواصل مع عدد من المجموعات في بيئتها، بما في ذلك الجمهور العام والأسواق الاستهلاكية؛ للبقاء اقتصادياً من خلال العلاقات العامة والإعلام والتسويق! ثم اتجهت الحاجة العملية لتنسيق ورسم تخصصات الاتصال المؤسسي، عندما تم دمج التخصصات التي كانت تندرج سابقًا تحت عناوين الإعلام والتسويق والعلاقات العامة، والاتصال الداخلي الأهم والأبقى بشكل متزايد في وظيفة «الاتصال المؤسسي» اليوم. ومما سبق وفي نفس المنعطف، عندما أسس سيرجي برين ولاري بيدج محرك البحث «جوجل» عام 1998 لم تكن لديهما أي خبرة عمل سابقة، لكنهما اعتبرا هذا الأمر بمثابة ميزة وليس عائقاً يحول دون تحقيقهما لما يريدان. ومع اتساع مؤسستهما التي حملت اسم «جوجل»، وانتقالها من حرم جامعة «ستانفورد» إلى مستودع بمدينة «مينلو بارك»، ثم افتتاحهما مجموعة من المكاتب، عمل الثنائي برين وبيدج على إدارتها باتباع بعض المبادئ البسيطة.. أولها وأهمها التركيز على المُستخدِم، فكانا يران أنهما إن قدما خدمة رائعة للعميل، فسيتمكنان من التفكير في الأمور المالية لاحقاً دون أي ضغوط، وإذا تمكنا من ابتكار وإدارة أفضل محرك بحث في العالم، فسيكونان قد حققا نجاحاً باهراً بالفعل! كانت خطتهما لابتكار محرك البحث وكل الخدمات الأخرى الناجحة التي تقدمها «جوجل» بسيطة للغاية: توظيف أكبر عدد ممكن من مهندسي البرمجيات «الموهوبين»، وإفساح المجال لهم للإبداع بحرية، فكانت هذه المنهجية مناسبة لإدارة شركة وليدة في معامل جامعة ترى أن أهم شيء في المجال «الأكاديمي» هو العقل الذكي المبدع، ولكن في الوقت نفسه أتخذا مبدأ رأس المال البشري؛ بأن موظفيها يعنون لها كل شيء وأنهم أهم أصولها، وتبنوه فعلاً وقولاً عند إدارة مؤسستهما. ففي كتاب «هكذا تعمل مؤسسة جوجل» يشرح مؤلفاه إيريك شميت وجوناثان روزنبيرج بإسهاب عن عمل «جوجل».. يقولان: «لم يكن الدافع لهذا السلوك إيصال رسالة «مؤسسية» ما، بل كان الدافع شعورهما أن جذب وتوظيف وقيادة صفوة المهندسين هي الطريقة الوحيدة لإنجاح مؤسسة «جوجل» وتحقيق كل طموحاتها العظيمة؛ فعندما يكون هناك مقارنة بالموظفين التقليديين في مجال تكنولوجيا المعلومات بالموهوبين العاملين في مؤسسة «جوجل»، سنجد أن موظفي «جوجل» نوع فريد ومختلف من العمالة: فهم غير مقيدين بمهام معينة، وبإمكانهم الوصول إلى كل معلومات المؤسسة وإمكاناتها الحوسبية والاستفادة منها، كما أن لديهم الأمن الوظيفي مرتفع جداً فلا يتعرضون للعقاب أو الإقالة إذا فشلت أي من مبادراتهم المحفوفة بالمخاطر، بل أنهم غير مقيدين بأي تعريفات وظيفية أو هياكل تنظيمية، ويتلقون التشجيع المطلوب لتطبيق أفكارهم الإبداعية، كما أنهم لا يصمتون إذا لم يعجبهم أمر ما في المؤسسة، يشعرون بالملل سريعاً، ويغيرون وظائفهم كثيراً!». أما تفكيرهم فكان يتسم بتعدد الأبعاد، ويجمع بين العمق الفني والذكاء التجاري والذوق الإبداعي، وبعبارة أخرى: هم ليسوا موظفون تقليديون على الإطلاق، بل بشر من نوع مختلف، نوع يمكن أن نسميه «المبدع الذكي»، وهم السر وراء نجاح «جوجل».