أصبحت التقنية أهم مكونات التعاملات الحياتية، فمن خلال الإنترنت يتم البيع والشراء، والتواصل، واللعب والتسلية، والمعاملات الرسمية، وبسبب كورونا باتت الدراسة أكثر أماناً عن طريق الإنترنت. إن الإقبال الكبير على استخدام الأجهزة الذكية من قبل جميع الفئات العمرية، بدءاً من الأطفال مروراً بالمراهقين والشباب وصولاً إلى كبار السن الذين واكبوا هذا التطور، بالإضافة إلى الساعات الطويلة التي يقضيها الناس في استخدام الأجهزة الذكية والتي تصل في المعدل إلى ثماني ساعات يومياً! هذه التحولات أفرزت مفهوماً جديداً هو مفهوم «المواطنة الرقمية».. حيث إن تعاملات الفرد وعلاقاته أصبحت بشكل كبير عن طريق الأجهزة الذكية، ففي العالم الافتراضي زالت كل العوائق من حدود جغرافية، ومسافات بعيدة، وأعراف مجتمعية، وغيرها، وبات الانفتاح على كل شيء سيد الموقف. في السابق كان من الممكن معرفة اهتمامات الأبناء ومراقبة علاقاتهم مع الآخرين، أما في ظل التقنية فقد أصبح ذلك شبه مستحيل، إذ بات الأصدقاء رقميون افتراضيون، وقد يتصفح الأبناء مواقع مشبوهة وخطرة وتحمل أفكاراً مضللة دون معرفة أولياء أمورهم! وتعني «المواطنة الرقمية» تمتع الفرد بقدر عال من المسؤولية في استخدام التقنية، سواء الاستخدام الأخلاقي في الاطلاع على المحتوى، أو التعامل بعيداً عن الإساءات والاختراق وخلافها، فهي توجيه وحماية، توجيه للجوانب الإيجابية من التقنية، وحماية من الجوانب السلبية فيها. ويعد العمل التطوعي من أبرز المجالات التي تبني الشخصية الإيجابية سواء في عالم الواقع أو العالم الافتراضي؛ فاندماج الفرد في عمل تطوعي أو مبادرة مجتمعية ينمّي فيه روح الإيجابية والعطاء والشعور بالمسؤولية الاجتماعية والدافعية إلى الإنتاجية. وفي تقرير استشراف ممارسات العمل التطوعي في القرن 21 الصادر عن الأممالمتحدة في يونيو 2020م، برز العمل التطوعي الافتراضي عن طريق شبكة الإنترنت باعتباره مستقبل العمل التطوعي العالمي، وباعتبار التكنولوجيا قناة وأداة للأنشطة التطوعية، مثل تصميم المواقع، والبيانات، وإدارة المواقع، وكتابة التقارير، والترجمة، والبحث، والتصميم، والتدريس، والبرمجة وتطوير التكنولوجيا وغيرها. من هنا يمكن القول إن المستقبل للتطوع الافتراضي، والذي يعد حماية -بعد الله- للشباب من منزلقات الخطر في فضاء التقنية العصي على الرقيب، إذ إن العمل التطوعي ينمّي روح المراقبة الذاتية، ويعين على استثمار الوقت والجهد فيما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع، ليكون المتطوع مواطناً رقمياً صالحاً منتجاً مساهماً في تنمية وطنه وخدمة مجتمعه، وليكون العمل التطوعي أحد أهم روافد «المواطنة الرقمية» الصالحة. *المشرف العام على الجمعية السعودية للعمل التطوعي «تكاتف» عبدالرحمن بن سعد الجبرين*