خيارات عربية منطقية.. الاحتكام للقانون الدولي أو إلغاء إعلان المبادئ لم تزل السيطرة على مياه الأنهار والتحكم في منابعها وجريانها وتصريفها سبيلاً للغلبة بين شعوب الأرض، فما كان يحدث قديماً من حروب بين القبائل حول الاستقرار المائي، ما زال يحدث اليوم في عالمنا المتحضر رغم سن القوانين الناظمة، لذلك لم يكن التاريخ يوماً لرواية القصص للسمر أو التسلية، بل لإعطاء الدروس الحقيقية في اتخاذ القرارات في الأوقات المختلفة، ومن المشهود الآن ما تقوم به إثيوبيا من تعنت واضح وممارسة الضغوط على دولتي المصب في قضية مياه النيل، واستمرارها في التعامل البغيض معهما رغم اعتراضهما على الأسلوب المتبع، ومحاولاتهما الدؤوبة لإعادتها إلى رشدها. إثيوبيا.. مواقف متشددة ترفض الجوانب القانونية في هذه الدراسة سنقدم فهماً واقعياً وموضوعياً لهذا الموقف الإثيوبي المتعنت حول أزمة سد النهضة، ونسلّط الضوء على معلومات مهمة تبيّن وتحلل طبيعة الصراع القائم بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى، وذلك من خلال التطرّق إلى المحاور التالية: أولاً: النشأة التاريخية للأزمة :أ. فكرة الإنشاء ارتبطت فكرة إنشاء سد النهضة من قبل إثيوبيا على النيل الأزرق إبان حكم الإمبراطور هيلاسلاسي، وتحديدًا في أواخر خمسينات القرن العشرين، وذلك عندما وافقت الولاياتالمتحدة على الطلب الإثيوبي حول دراسة شاملة لحوض النيل الأزرق، لا سيما بعد عزم مصر على إنشاء السد العالي، وجرى التوقيع على اتفاق رسمي بين الجانبين في 9 أغسطس 1957م، ثم جرى تكليف مكتب الاستصلاح التابع لوزارة الداخلية الأميركية للمشاركة في المشروع المشترك تحت عنوان: «البرنامج التعاوني للولايات المتحدة الأميركية وإثيوبيا لدراسة حوض النيل الأزرق»، واستمرت تلك الدراسة المكثفة للمشروع خمس سنوات (1958-1964)، وكان ذلك إبان قرار مصر اللجوء للاتحاد السوڤييتي لبناء السد العالي في مصر (1960م - 1970م). صحوة سودانية تُلغي تأرجح المواقف بين المصالح المصرية والإثيوبية وأجرى المكتب دراسة على حوض النيل الأزرق عام 1958م، لتحديد مواقع إنشاء السدود، وصدر التقرير عام 1964م مقترحاً موقع السد في إقليم بني شنقول على بعد نحو 40 كلم من الحدود السودانية، وأطلقوا على هذه الدراسة اسم دراسة سد (بوردر)، ويعني السد الحدودي. والتي تتكون من سبعة مجلدات، تضم تقريراً رئيساً تحت عنوان: "الموارد الأرضية والمائية للنيل الأزرق" وتطرقت إلى الهيدرولوجيا ونوعية المياه، والجيولوجيا والموارد المعدنية، وشكل سطح الأرض، والمياه الجوفية، وغيرها. الإعلام الإثيوبي ينمي سياسة الاستحواذ على النيل ويخفي الاتفاقيات الدولية وحدد المكتب 26 موقعاً لإنشاء السدود، أهمها أربعة سدود على النيل الأزرق الرئيس: كارادوبي، مابيل، مانديا، وسد الحدود (النهضة)، وذلك بإجمالي قدرة تخزين 81 مليار م3. وهو ما يعادل المياه السنوية للنيل الأزرق مرة ونصف المرة تقريباً. وأجريت المسوح المطلوبة في المنطقة، وتحوّلت فكرة السدود إلى واقع ملموس منذ عام 2009م، وانتهت التصميمات الخاصة بالسد في عام 2010م، وكان العمل يتم بشكل سري، إلاّ أن الشركة الإثيوبية للطاقة الكهربائية قد غيّرت اسم المشروع من سد (بوردر) في فبراير 2011م، ليصبح اسمه (مشروع إكس)، كما غيّرت اسم المشروع مرة أخرى في 2 أبريل 2011م ليصبح سد (الألفية العظيم)، وحوَلته إلى سد النهضة الإثيوبي العظيم في 15 أبريل 2011م، وبعد ذلك أسندت المشروع إلى شركة (ساليني) الإيطالية في أبريل 2011م، مستغلة انشغال مصر بأحداث ثورة 25 يناير 2011م. الانسحاب من إعلان المبادئ يضعف مشروعية السد ويجرده قانونيته :ب. تشكّل الأزمة ترجع بداية تشكّل الأزمة الحقيقية إلى اتفاقية (عنتيبي) في 14 مايو 2010م، وتعد الشرارة التي أدت إلى اندلاع أزمة دبلوماسية بين مصر وإثيوبيا والسودان، حيث وقعت عليها خمس دول من دول حوض النيل هي: (إثيوبيا، تنزانيا، أوغندا، رواندا، كينيا)، إلاّ أن مصر والسودان رفضتا هذه الاتفاقية الموقعة في غيابهما، والتي تنص على إلغاء الحقوق التاريخية لكلّ من مصر والسودان في الموارد المائية لنهر النيل والتي تقدر ب (55.5 مليار م3 لمصر، و18.5 مليار م3 للسودان). وتعود مدة تشكيل الأزمة إلى أربع مراحل: 1. المرحلة الأولى: نحدد مدتها ما بين 2011م - 2013م، حيث جرى تشكيل لجنة فنية ثلاثية وتحديد ولايتها، واشترطت إثيوبيا أن تستمر عملية بناء السد أثناء المفاوضات، كما قدمت لجنة الخبراء الدولية تقريرها أثناء هذه المدة، وأشارت فيه إلى مشكلة أمان السد، وضرورة استكمال الدراسات البيئية والاجتماعية والاقتصادية الخاصة بتأثيره. 2. المرحلة الثانية: نحدد مدتها ما بين 2014م - 2015م، واستطاعت إثيوبيا خلالها أن تفرض سد النهضة كحقيقة واقعة، وتحصر نطاق التفاوض في الجوانب الفنية، وذلك من خلال الحصول على الموافقة المصرية والسودانية على بناء السد بعد الاتفاق على المبادئ العامة خلال قمة الاتحاد الإفريقي في مالابو في يونيو 2014م، ثم توقيع إعلان المبادئ بشأن سد النهضة في الخرطوم في 23 مارس 2015م. 3. المرحلة الثالثة: نحدد مدتها ما بين 2016م - 2019م، حيث حصرت إثيوبيا عملية التفاوض في قضية ملء وتشغيل سد النهضة بعيداً عن الجوانب القانونية والسياسية التي تضمن الحقوق المائية لكل من السودان ومصر، وهذا ما أدى إلى فشلها. 4. المرحلة الرابعة: بدأت منذ أواخر عام 2019م إلى يومنا هذا، حيث دخلت الولاياتالمتحدة على الخط، ورغم التوصل إلى مسودة اتفاق نهائي وقعت عليه مصر، إلاّ أن إثيوبيا انسحبت ورفضت الضغوط الأميركية عليها، وعندها لجأت مصر والسودان إلى مجلس الأمن الدولي الذي أحال ملف سد النهضة إلى الاتحاد الإفريقي، لتبدأ الجولة الخامسة للمفاوضات الثلاثية برعاية الاتحاد الإفريقي منذ 26 يونيو 2020، والتي أعادت فيها إثيوبيا نهج الحلول الجزئية، وعدم رغبتها التقيد بأي اتفاق ملزم من الناحية القانونية، واتفقت الدول الثلاث على أن ترفع كل منها تقريراً لجنوب إفريقيا بوصفها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، يشمل مجريات الاجتماعات ورؤيتها حول سُبل تنفيذ مخرجات اجتماعي هيئة مكتب الاتحاد الإفريقي على مستوى القمة، اللذين عقدا يومي 26 يونيو 2020م و21 يوليو 2020م، واللذين أقرا بأن تقوم الدول الثلاث بإبرام اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة. وقد فشل الاجتماع السداسي بين وزراء الخارجية والري من مصر والسودان وإثيوبيا في التوصل لصيغة مقبولة لمواصلة التفاوض في 10 يناير 2021م، أكد ذلك وزير الري والموارد المائية السودانية ياسر عباس: "لا يمكننا أن نستمر في هذه الحلقة المفرغة من المباحثات إلى ما لا نهاية". ثانياً: مصر والسودان :والرؤى المستجدة ويمكننا شرح هذه الرؤى من خلال قراءة موقفين متناقضين سابقاً تجاه سد النهضة، وتحديداً في بداية تشكيل السد، إلى موقفين متطابقين بعد تشغيل السد. :أ. مصر وجذور الخلاف طالبت مصر أن تستمر اتفاقية عام 1959م المكملة لاتفاقية عام 1929م، والموقعة بين مصر والسودان واعتبارها الإطار القانوني لتخصيص مياه النيل، إلا أن إثيوبيا ودول المنبع الأخرى ترفض هذه الاتفاقية، لأنها ترى أنها خصصت معظم مياه نهر النيل لمصر والسودان، لذلك تخشى مصر أن يؤثر سد النهضة سلباً على إمدادات المياه في البلاد، إلاّ أنها غيَّرت موقفها الرافض لبناء السد حتى عام 2013م، وأصبح الهدف المصري مجرد محاولة تأمين اتفاق سياسي حول الجدول الزمني لملء خزان السد، خصوصاً أثناء مراحل الجفاف. :ب. السودان وتأرجح المواقف كان موقف السودان متأرجحاً بين المصالح المصرية والإثيوبية، فعلى الرغم من أنه عارض في البداية بناء سد النهضة، غير أنه أشار إلى قدرة السد على تحسين آفاق التنمية لدول المنطقة، خصوصاً أن هذا الموقف كان واضحاً أثناء حكم البشير، لكن الآن تغيّر الموقف السوداني خشية من أن تشغيل السد يمكن أن يهدد سلامة السدود السودانية، مما يترتب عليه توقف عمل محطات مياه الشرب. ولهذا يعد موقف السودان من أكثر المواقف التي تحتاج إلى تفسير واضح إبان حكم البشير، وذلك من خلال تحليلنا عدة محطات اتسمت بها مواقف السودان الرسمية، وهي: 1. تعزيز قدرة النظام تمثلت أولويات السياسة الخارجية السودانية لحكومة البشير على مدار ثلاثة عقود في تعزيز قدرة النظام على البقاء في الحكم على حساب تحقيق مصالح السودان الوطنية، ولا يستثنى من ذلك موقف البشير مع تدشين مشروع سد النهضة، إذ أمسك بالعصا من المنتصف، امتنع عن التوقيع على اتفاق عنتيبي، وفي المقابل من دون أن يعترض على إنشاء السد، متخذاً موقف الوسيط في الأزمة، رغم أن السودان شريك أساسي في مياه النيل، ومع مرور الوقت تحول السودان إلى داعم أساسي لبناء السد، وتجلى ذلك الموقف في تصريح البشير وتأييده لإنشاء السد في ديسمبر 2013م، وأيضاً في توقيع اتفاق دفاعي بين الدولتين في مايو 2014م. 2. تحقيق المكاسب الشخصية حاول البشير تحقيق أكبر قدر من المكاسب الشخصية من خلال ظهوره بمظهر المحايد بين مصر وإثيوبيا، وتأكيده للحلول الوسطى، واستخدام ذلك ورقة ضغط علي الطرفين، حيث تبنى نهج المراوغة وتصدير مشكلات غير حقيقية مع مصر، وفي الوقت نفسه يدعم مطالب مصر في بعض المراحل، ومواقف إثيوبيا في مراحل أخرى، حسب الأهداف التي يسعى إليها، والتي تتمثل أولاً بالجدوى الاقتصادية المباشرة من إنشاء سد النهضة، وثانياً لاعتبارات سياسية، حيث تنخرط إثيوبيا في كل قضايا السودان، فهي من يستضيف المفاوضات بين نظام البشير ومعارضيه، إضافة إلى وجود قوات إثيوبية في منطقة أبيي المتنازع عليها بين شطري السودان. لذلك ظهر البشير بمظهر المحايد من دون إظهار شرعية طرف على حساب الآخر. 1. تنحية المصالح السودانية لا شك في أن الرئيس السوداني السابق عمر البشير ووفق مواقفه المتضاربة حول سد النهضة قد نحّى مصالح الدولة الاستراتيجية جانباً، وبرع في توظيف الابتزاز الإقليمي إلى حد أنه أعاد تموضع السودان إقليمياً مرات عديدة خلال سنوات قليلة، حيث قام بتعطيل دراسات فنية جامعية عن سد النهضة، إضافة إلى تبني وزارة الري خطاباً يمجد في السد وفوائده العائدة على السودان من حيث التحكم في فيضان النيل الأزرق والحصول على كهرباء بأسعار تفضيلية، وحارب الأصوات التي كانت ترى خطورة هذا السد على المصالح السودانية، وتأثيره على السدود لا سيما فيما يخص إنتاج الكهرباء، لدرجة مراقبة المحتوى الإعلامي ومصادرة الصحف. 2. صحوة سودانية انفتحت أبواب النقاش بشكل واسع في ملف سد النهضة مع تغيّر نظام الحكم في السودان في أبريل 2019م، وبداية تبلور نظام سياسي جديد في أغسطس من العام ذاته، وأفاق السودان على صدمة سياسة البشير حول سد النهضة، حيث لم تحضر إثيوبيا جلسة التوقيع على اتفاق جرى بلورته عبر أشهر من المباحثات والجلسات برعاية الولاياتالمتحدة والبنك الدولي، وذلك في فبراير 2020م، كذلك اكتشفت حكومة السودان الجديدة وعن قرب طبيعة المراوغات الإثيوبية في مباحثات واشنطن، إلاّ أن هذه الصحوة قد قيدتها إلى حدّ ما طبيعة العلاقات مع إثيوبيا، والتي لعبت دور الوساطة لحلّ الخلافات بين القوى السودانية، وكللتها بالإعلان عن الوثيقة الدستورية وتشكيل الحكومة السودانية. لذلك راهنت إثيوبيا على انحياز السودان لها ضد مصر، وأسست موقفها هذا كما ذكرنا على أدوارها النشطة في دعم الثورة السودانية، لا سيما في أروقة الاتحاد الإفريقي، إضافة إلى أن القوى السياسية السودانية راهنت على الدعم الإثيوبي لها في مسألة التحوّل الديموقراطي، بينما أغفلت إثيوبيا أن موقفها السياسي في ملفي سد النهضة والحدود قد أحبط السودان على المستويين الرسمي والشعبي. ثالثاً: إثيوبيا ودعائم الموقف ثمة عوامل مختلفة ومهمة شكّلت قوة ودعامة لموقف إثيوبيا في بناء سد النهضة، ومن أشهرها ما هو شعبي، وآخر سياسي عائد إلى دعم قوى خارجية. :أ. العامل الشعبي اعتمدت إثيوبيا الآن بعد انتهائها من عملية التصميم وبدء الملء الفعلي لسد النهضة على عامل التأييد الشعبي، لا سيما بعد تحييد وساطة الاتحاد الإفريقي تجاه قضية السد. وهذا بدا واضحاً من خلال الدعم الإعلامي الواسع الذي ركّز على إظهار الشعب الإثيوبي دعمه وتضامنه طوال مراحل بناء السد، لا سيما من خلال إطلاق شعارات متعددة مثل: "صوتنا لسدنا"، والذي احتشد حوله الكثير من الإثيوبيين لإظهار الدعم لبناء السد في ساحات وشوارع أديس أبابا، عدا عن التبرعات التي بلغت (13.6 مليار بر) كما ذكرتها وكالة الأنباء الإثيوبية، مما كان لها العامل المهم في تشكيل قوة الموقف الإثيوبي، وإضافة إلى ذلك أخذ الإعلام ينمي العامل التاريخي لدى الشعب، بأن مياه النيل تستحوذ عليها مصر والسودان بغية إنكار وإخفاء ما لا يعجبهم اشتهاره حول الاتفاقيات الدولية التاريخية الناظمة لها، ولم يكن الإنكار والتشويه سبيلهم الوحيد، بل كان التحريف والتزييف للتاريخ منهجاً متكاملاً، بينما نجد أن الموقف المصري والسوداني لغاية اليوم الحديث عن حسن النية، لا سيما بعد أن وقعوا على اتفاقية إعلان المبادئ في 23 مارس 2015م. :ب. العامل السياسي إن المتابع للموقف الإثيوبي الراهن في موضوع سد النهضة يستطيع بكل سهولة أن يحدد كيف لإثيوبيا هذا الموقف المتعنت، لذلك هناك عرض سياسي واسع لمسار الدول الداعمة لسد النهضة الإثيوبي، سنتطرق إليه بالتفصيل في فقرات أخرى من هذه الدراسة. رابعاً: اتساع الهوة بين الأطراف لقد اتسعت الهوة بين مصر والسودان من طرف وإثيوبيا من طرف آخر، والفشل ملحوظ وبشكل واضح في الوصول إلى حلّ ينهي الأزمة القائمة بين الأطراف حول سد النهضة، وما يمثله ذلك من تهديد وجودي لدولتي المصب، لا سيما أن ثمة تشدداً إثيوبياً في المواقف، غير مكترثة بتصريحات الشركاء، ولسان حالها يقول: إنني أتممت مشروعي فاقضوا ما أنتم قاضون، لذلك لم يبقَ أمام دولتي المصب مصر والسودان سوى خيارات صعبة، منها الاحتكام للقانون الدولي، أو إلغاء إعلان المبادئ الموقع في 23 مارس 2015م، أو اللجوء إلى الحسم العسكري، والذي سنتناوله لاحقاً خلال هذه الدراسة. :أ. الاحتكام للقانون الدولي أصبح موقف دولتي المصب صعباً ومتأزماً لدرجة كبيرة، وزاد من التعقيد أن الحكومة الإثيوبية تندد بمطالب مصر والسودان بحقهما التاريخي في مياه النيل، بل اعترضت حتى على حقوق البلدين في الاحتكام إلى قواعد القانون الدولي والاتفاقيات المنظمة للأنهار والبحار في الدول المتشاطئة، وأخذت تخطط لابتلاع كامل مياه النيل الأزرق، باعتباره حقاً تاريخياً لها دون غيرها، ولا عزاء للمتضررين. واتضح الموقف الإثيوبي من خلال الجولات التفاوضية بين الدول الثلاث في 3 يناير 2021م، والتي دعت إليها جنوب إفريقيا التي ترأست الاتحاد الإفريقي في ذلك الوقت، وذلك للوصول إلى اتفاق قانوني ملزم ومرضٍ للأطراف الثلاثة، إلاّ أن هذه الجولات قد فشلت بسبب التعنت الإثيوبي. كما عقبتها مفاوضات "الفرصة الأخيرة" في 6 أبريل عام 2021م، كما عرفتها مصر والسودان، والتي جرت في كينشاسا، برعاية الاتحاد الإفريقي، وبقيادة دولة الكونغو، والتي عُدت الأمل الأخير في التوصل إلى حلّ عادل، غير أنها هي الأخرى قد فشلت كما أعلن ذلك بشكل رسمي وزيرا خارجية مصر والسودان، وذلك لأن هذه المفاوضات لم تلقَ قبولاً من قبل المفاوض الإثيوبي، خصوصاً من ناحية طرح المقترحات القانونية والفنية. ولعل هذه المواقف المختلفة جعلت إلزام المجتمع الدولي لإثيوبيا ضعيفة، عدا عمّا حصلت عليه إثيوبيا من مكاسب عظيمة جراء "إعلان المبادئ" في 23 مارس 2015م، والذي جعل إثيوبيا أكثر شراسة، فضاعت الجهود الدبلوماسية التفاوضية، وشرْعن بناء السد، وأعطاه قبلة الحياة بعد موات، بعد عمليات التمويل الدولية له، رغم تقرير لجنة الخبراء الدوليين في عام 2013م الذي أكد على مدى تضليل إثيوبيا للجنة، ومدى خطورة السد على دولتي المصب فيما يخص الأمان المعمول به في مشروعات عالمية مماثلة، وبالتالي أكدت هذه الأزمة أن الجهود الدولية لن تفيد دولتي المصب مهما تعلقتا بالمفاوضات. :ب. إلغاء إعلان المبادئ يمكن لدولتي المصب تعطيل قانونية السد والتي قد اكتسبها نتيجة اتفاقية إعلان المبادئ، وذلك من خلال الانسحاب منها، خصوصاً أنه لوحظ سياسياً وإعلامياً أغلب اعتراضات إثيوبيا ضد مصالح دولتي المصب مبنية على تمسكها بهذه الاتفاقية، رغم أنها لم تلتزم بنصوصها، معللة ذلك أن هناك اتفاق إعلان المبادئ، وإذا كانت مصر والسودان متضررتين لماذا وقعتا عليه؟ ولهذا فإن أفضل الحلول هو الانسحاب من هذه الاتفاقية، وهذا يتوافق مع ما تقتضيه (اتفاقية فيينا) للمعاهدات الدولية عام 1969م، لا سيما أن إثيوبيا تعد هذا الإعلان صيداً ثميناً لإيقاع الضرر بدولتي المصب، لذا حكمت اتفاقية فيينا 1969م للمعاهدات الدولية على أي اتفاقية بالبطلان المطلق في حال انعدام الرضا، أو عدم مشروعية الموضوع، أو وجود تصرف مبني على الغش، وهذا ما فعلته إثيوبيا، حيث أقدمت منفردة بعمليات ملء السد مما شكل إخلالاً بجوهر إعلان المبادئ، والذي يتعارض مع ما جاء في الفصل الرابع، المادة (60)، الفقرة الأولى، والثانية والثالثة، وأيضاً المادة (58)، الفقرة الأولى، إضافة إلى مخالفة المادة الثالثة المبنية على مبدأ عدم التسبب في ضرر الموقعين، والمادة السابعة المبنية على مبدأ تبادل المعلومات والبيانات، والمادة الثامنة التي أكدت على مبدأ أمان السد. ومارست إثيوبيا أيضاً التضليل والخداع من خلال تغيير حجم السد وسعته لأكثر من مرة، فما تم عرضه على الجانب المصري والسوداني في بداية بناء السد 2011م غير الذي تم الشروع ببدء تنفيذه، وأيضاً غير الذي تم تقديمه للجنة الخبراء الدوليين في 2012م، وغير الذي تمت عليه عملية الملء الآن، فما بدأت بعرضه كان 11 مليار م3 ووصل في النهاية إلى 74 مليار م3، فزيادة حجم السد وسعته متواصلة باستمرار تبعاً للرغبة في السيطرة على مياه النيل، ناهيك عن اختصار سنوات الملء التي تنبئ عن كوارث لدولتي المصب، وتخالف اتفاقية إعلان المبادئ. لذلك يجب على مصر والسودان التعامل مع هذه الأزمة بجدية، وعدم التمسك بوعود لا أمل منها، فالانسحاب من إعلان المبادئ يضعف مشروعية هذا السد أمام المجتمع الدولي، ويجرده قانونيته. الرؤساء الثلاثة يحتفون بتوقيع وثيقة إعلان المبادئ الرئيس المصري خلال استقباله آبي أحمد في القاهرة عبدالفتاح البرهان مستقبلاً رئيس الوزراء الإثيوبي