عززت الزيارة التاريخية لصاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان إلى المملكة العربية السعودية، أوجه التعاون الثنائي المشترك بين البلدين الشقيقين، والتي جاءت كأول وجهة خارجية لسلطان عُمان منذ توليه مقاليد الحكم بناء على دعوة من أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، حفاوة استثنائية حظى فيها ضيف المملكة الكبير وسط جدول أعمال حافل بالشراكات والتفاهمات، وترجم ذلك بتوقيع مذكرة تفاهم لتأسيس مجلس التنسيق السعودي - العُماني، لتؤكد الزيارة التاريخية التعاون والتكامل والتعاضد لحماية أمن واستقرار دول الخليج والشرق الأوسط. وحول ذلك قال أستاذ الإعلام السياسي د. عبدالله العساف: "زيارة سلطان عُمان حملت أكثر من عنوان، وأكثر من دلالة، فطريق الحرير السعودي العُماني، وزيارة التاءات الثلاث (تعاون، تكامل، تعاضد) قد تكون العنوان الأبرز لهذه الزيارة الخارجية الأولى للسلطان هيثم بن طارق، والتي تحمل دلالات خاصة في العلاقات الدولية، فهي تعكس عمق الروابط التاريخية بين البلدين ومتانتها، وتأتي زيارة سلطان عُمان تلبية لدعوة كريمة من أخيه خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، لتحقق تطلعات الشعبين في إكمال المسيرة المشتركة بينهما التي انطلقت قبل عقود، وشهدت العديد من الإنجازات الثنائية، وعلى مستوى دول المجلس وعربيا وعالميا". وتابع العساف "الزيارة في ذات الوقت تذكرنا بزيارة السلطان قابوس -رحمه الله- الخارجية الأولى للمملكة، وهذا يؤكد أهمية المملكة بالنسبة للعُمانيين كشقيقة كبرى، وعمق استراتيجي، تعززه الوشائج الأخوية وأواصر القربى والجوار بين الشعبين، ووحدة المصير المشترك بين البلدين، حيث امتدت مسيرة العلاقات السعودية - العمانية منذ الدولة السعودية الأولى وحتى وقتنا الحاضر، فقد تأسست تلك العلاقات على روابط الدين العروبة والجوار، إلى جانب المواقف السياسية والاقتصادية المتبادلة بين القيادتين، إضافة إلى العمل معاً في تأسيس مجلس التعاون الخليجي في العام 1981م". وأكد أن الأحداث التي مرت وتمر بها منطقتنا أثبتت متانة العلاقات السعودية والعُمانية الأخوية العميقة، والتي لا يمكن أن تهزها المتغيرات والتجاذبات والأهواء السياسية المتقلبة في المنطقة والعالم، فاللقاءات والزيارات المتبادلة والاتصالات الثنائية وسعي البلدين الدؤوب لتفعيل هذه العلاقات، فمنذ اليوم الأول لتولي جلالة السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم أكّد على مواصلة الإسهام مع إخوانه قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في دفع مسيرة التعاون لتحقيق آمال وتطلّعات قادة وشعوب دول المجلس في تحقيق الإنجازات المشتركة بكافة المجالات، ومن هذا المنطلق تأتي زيارة السلطان للمملكة لتبادل وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك من خلال التواصل واللقاءات المستمرّة بين قيادتي البلدين والمسؤولين رفيعي المستوى، في كثير من المجالات والمواقف المختلفة، ومنها مجال البيئة الذي يُعدّ من بين أهم المجالات الدولية المطروحة في أروقة المنظمات الأممية، فقد أعربت السلطنة عن تقديرها لجهود المملكة في مجال الحفاظ على البيئة واستدامتها من خلال مبادرة "الشرق الأوسط الأخضر"، التي أعلن عنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، كما تتوافق الدبلوماسية السعودية والعُمانية في كثير من الرؤى والملفات التي تخص القضايا الإقليمية، بالإضافة إلى التوافق على عدد من المشروعات والاتفاقيات في مجالات الشباب والرياضة والثقافة، والمجالات التجارية ومجال الإعلام المرئي والمسموع، والمجال الإذاعي والتلفزيوني، ومجال تشجيع الاستثمار وفي مجال الاتصالات وتقنية المعلومات والبريد ومجال النقل، الأمر الذي يؤكد رغبة مشتركة لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، وخاصة وأن الطرفين على موعد لافتتاح أول طريق بري يربط بين البلدين، مما يعزز الاستثمارات بشكل أكبر، ويفتح آفاقاً جديدة للمزيد من الشراكات التجارية بين البلدين، ولعل من ثمار هذه الزيارة الميمونة والتي شهدت توقيع اتفاقية مجلس التنسيق السعودي العماني، والذي سيسهم في وضع رؤية مشتركة لتعميق واستدامة العلاقات بينهما، ورفعها إلى مستوى التكامل في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية، وكذلك في مجالات الاقتصاد والتنمية البشرية، بما يخدم أهداف البلدين ويحقق آمال وتطلعات القيادتين والشعبين الشقيقين في كافة المجالات والمسارات في المرحلة القادمة، وهو ما نطمح إليه نحن شعوب البلدين، والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة، ويخدم توجهات البلدين لتحقيق رؤية المملكة 2030 ورؤية عُمان 2040، وما تتضمنه الرؤيتان من مستهدفات ومبادرات للتنوع الاقتصادي، حيث تتكامل الرؤيتان السعودية والعمانية، فقد عملت المملكة وعُمان على استكمال مشروع المنفذ البري الذي يربط بين البلدين، ومن المتوقع أن يسهم المنفذ بعد افتتاحه في زيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين، وسيفتح المجال أمام حركة البضائع من المملكة مروراً بالطرق البرية في السلطنة، وصولاً إلى موانئها التي ستسهل تصدير البضائع السعودية للعالم. وأشار العساف إلى أن السلطان هيثم بادر بعد توليه السلطة إلى الإعلان عن إصلاحات سياسية ومالية واقتصادية، وتطوير هيكلة أجهزة ومؤسسات الدولة، لتصبح أكثر فاعلية في تلبية آمال وطموحات الشعب العُماني، والمحافظة على سلامة واستقرار البلاد باعتماد آليات فعالة وخطوات ملموسة، أثبتت جدواها في المشهد العُماني عبر انتهاج سياسات مغايرة قامت أولاً: فتح آفاق تنموية واقتصادية جديدة من خلال اللجوء إلى إقامة سلسلة من المناطق الصناعية الكبرى في مختلف الولايات العُمانية. وثانياً: إحداث تغييرات واسعة وشاملة في بنية الاقتصاد العُماني عبر تكثيف الاهتمام بقطاعات السياحة والتعدين والبتروكيميائيات وصيد الأسماك، وذلك في ظل ما تمتلكه السلطنة من مقومات كبيرة ومزايا نسبية في هذه المجالات، وثالثاً: تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتي باتت تحظى بإسناد قوي عبر إتاحة منظومة تشريعية تعزز آفاقها، متكئة على ديناميكيات الاستثمار والإنتاج والتصدير والابتكار وتحفيز ريادة الأعمال، والعمل على تحقيق أعلى مستويات الشراكة بين أنشطة القطاعين الحكومي والخاص والحكومة، ورابعاً: إعادة توزيع الأدوار والمسؤوليات بين الحكومة ومؤسسات الأعمال وأفراد المجتمع، وذلك لتحقيق التنمية الشاملة تماشيا مع تسارع وتجدد الأولويات وتعاظم التحديات. وخامساً: رفع كفاءة البنى الأساسية والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية المتاحة، مع الاستفادة من المكانة الرفيعة للسلطنة بين الأمم لجذب التكنولوجيا، والأسواق ورؤوس الأموال، وفي الآن ذاته دفع القطاع الخاص إلى إعادة ترتيب أوراقه، وسادساً: إصدار جملة من القوانين والتشريعات التي تُعنى بالقطاع الاقتصادي وتنظيمه، منها قانون التخصيص والشراكة وقانون الاستثمار الأجنبي والإفلاس والقانون التجاري على نحو يتواءم مع السعي الحثيث، نحو توفير بيئة جاذبة للأعمال ورفع القدرة التنافسية للاقتصاد العُماني، خصوصا في هذه الفترة الصعبة من عمر الاقتصاد العالمي والإقليمي، إضافة إلى أن هذه السياسات الاقتصادية قادت صندوق النقد إلى توقع أن يستعيد الاقتصاد العُماني وتيرة نموه بشكل أسرع، حيث قام الصندوق بتعديل نظرته عن اقتصاد السلطنة إلى نمو اقتصادي حقيقي إيجابي بنحو 1.8 % خلال العام الجاري 2021 م، مقارنة مع توقعاته السابقة بانكماش النمو الاقتصادي للسلطنة بواقع 0.5 % في نفس العام بعد أن كان يعاني من انكماش يقدر بنحو 6.0 % خلال العام 2020 نتيجة لتداعيات الجائحة، وأشار الصندوق إلى أن الاقتصاد العماني سوف ينمو بوتيرة متسارعة ليسجل نموا حقيقيا بنسبة 7.4 % خلال العام القادم 2022 م. وقال العساف: "الترحيب الرسمي والشَّعبي الكبير الذي يحيط بزيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق إلى المملكة، وحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة من قِبل أخيه خادم الحرمين الشريفين وولي عهده -حفظهما الله-، لهو أبلغ تعبير عن نبل المشاعر والتقدير والاحترام الذي تكنُّه المملكة لجلالة السلطان وللشعب العُماني الشقيق، كما يعبر عن حرصها على توثيق عُرى الأُخوَّة والمَحبَّة والتواصل، وتحقيق تطلُّعات الشعبين العُماني والسعودي الشقيقين، ولعل هذه الحفاوة والترحيب تجيب عن من يتساءل لماذا المملكة؟ بالمختصر؛ لأنها دولة محورية في العالم من جميع النواحي دينياً واقتصادياً وسياسياً، فهي الدولة العربية الوحيدة في مجموعة العشرين الكبار، ولها وزنها واحترامها بين قادة ودول وشعوب العالم، وعُمان والمملكة ماضيتان في جهودهما لمزيد من التطور والنمو في مستوى التعاون المشترك، متخذتين في ذلك الأسس المتينة والعلاقات الثنائية الراسخة أرضيةً صلبةً للانطلاق نحو آفاق أكثر رحابة وأثرى تنوعًا، ولبلوغ قمم المجد وذرى الرخاء والاستقرار لشعبيهما وشعوب المنطقة بإذن الله.