لا توجد شركة في العالم الآن لا تتعرض للأزمات، أزمات قد تصل في بعض الأحيان إلى وصفها ب»الطاحنة» التي يمكن أن تهدد بقاء الشركة ومستقبلها، ولكن ما يميز شركة عن أخرى هو القدرة على التنبؤ بحدوث هذه الأزمات والسيطرة عليها وإدارتها بالشكل الأمثل والاستجابة السريعة لها، وكل هذه عوامل لا تتحقق إلا عبر التواصل المؤسسي الناجح. إن الاتصال في الأزمات يعد من بين العناصر الأساسية للتواصل المؤسسي، حيث تسعى حالياً كثير من الشركات لبناء فرق من الخبراء القادرين على إعداد خطط استراتيجية لإدارة الأزمات والتنبؤ بها، ومعرفة توقيتاتها وحجمها وأبعاد تأثيرها، اعتماداً على التغذية الراجعة من الجمهور. إلا أن الأمر لا يسير دائماً بهذا الشكل في كل الشركات، فكثيراً ما نرى شركات تنظر بشكل مختلف ورومانسي لفكرة الأزمة، فبعض المديرين يعتقدون أن الاعتراف باحتمالية حدوث أزمة هو اعتراف بالفشل، لذا ينكرون إمكانية ذلك ويحاولون دائماً تجاهل أي مؤشرات تنبئ بالأزمات، وهو ما يعني معاناة هؤلاء المديرين من خلل عميق في فهمهم للعمل الإداري بشكل عام والتواصل المؤسسي بشكل خاص. تخيل أنك صنعت مركباً بنفسك، وأردت أن تثبت للجميع أنك ماهر في صنع المراكب، فوضعت مركبك في المياه ودعوت العشرات لاصطحابهم في رحلة والسفر بهم عبر البحر لإثبات مدى مهارتك، ثم فجأة بدأ الركاب يشتكون من وجود خلل في المركب يستدعي التحرك السريع لتداركه قبل أن تتفاقم الأمور، فماذا سيكون رد فعلك؟ هذه هي المعضلة، إن إصرار البعض على تجاهل إمكانية حدوث الأزمات يعني أنه يعرض مستقبل مؤسسته لخطر قد يهدد بقاءها، وفي مثال المركب السابق، لو أنكر صانع المركب شكوك الركاب ورفض التحرك سريعاً لتدعيم المركب ومعالجة مواطن القصور والتنبؤ بما يمكن أن يحدث، فإن المركب ستغرق بمن عليها وأولهم صانعها. إن التواصل المؤسسي النجاح يحتم على صانع المركب أن يستمع بصدق إلى التغذية الراجعة من الركاب وأن يتعامل معها بجدية وقناعة، ويتحلى بالشجاعة الكافية لمساعدته على معالجة الأزمة قبل حدوثها، حينها لن يقول عنه الركاب إنه صنع مركباً متهالكاً، ولكن سيقولون عنه إنه ربان ماهر قادر على مواجهة المخاطر والتعامل معها. إن التعالي في التعامل مع الجمهور، ورفض الاستماع إلى التغذية الراجعة منهم، والإصرار على أن طريقة إدارة المؤسسة طريقة ناجحة هو أول طريق الانهيار، فالاستعداد للأزمة لا يعني أبداً الخوف من الفشل أو الإقرار بالضعف، بل يعني أن القائمين على المؤسسة يفهمون جيداً معنى التواصل المؤسسي ويؤمنون بقدرته على حل المشكلات، وتجنيب المؤسسات مخاطر المستقبل وكتابة عمر مديد لها.