بعد ساعات قليلة من مقتل 16 من جنود القوات الأفغانية في هجوم لمسلحي طالبان على ولاية بادغيس غربي أفغانستان، تحدّث الرئيس جو بايدن في كلمة موجّهة للشعبين الأميركي والأفغاني عن خطط الولاياتالمتحدة المستقبلية في أفغانستان بعد الانسحاب النهائي الذي سيتم بحلول أغسطس المقبل. وقال الرئيس جو بايدن أن الانسحاب من الحرب الأطول في التاريخ الأميركي الحديث باتت أمراً واقعاً، حيث غادر أكثر من 90 بالمئة من القوات الأميركية أفغانستان للمرة الأخيرة. وأكدّ الرئيس بايدن في معرض كلمته على عزم الولاياتالمتحدة الاستمرار بتقديم المساعدة الأمنية والإنسانية للحكومة الأفغانية حتى بعد إتمام الانسحاب النهائي، شاكراً آلاف المواطنين الأفغان الذين ساعدوا القوات الأميركية أثناء الحرب ويواجهون اليوم تهديدات من طالبان إثر الانسحاب الأميركي. ووعد الرئيس بايدن المترجمين والمتعاقدين مع الجيش الأميركي في أفغانستان بتسوية أمورهم في أسرع وقت، حيث سينتظر هؤلاء في بلد ثالث إلى حين استصدار فيز خاصة ل2500 أفغاني ساعدوا الولاياتالمتحدة لتمكينهم من القدوم إلى الولاياتالمتحدة. وذكّر الرئيس جو بايدن في كلمته بالأهداف الأساسية للحرب الأميركية في أفغانستان وهي اقتلاع إرهابيي القاعدة الذين خططوا لهجمات الحادي عشر من سبتمبر بالإضافة إلى هدف قتل أسامة بن لادن ومنع أفغانستان من أن تكون قاعدة لإطلاق عمليات إرهابية جديدة ضد الولاياتالمتحدة، معلناً عن نجاح الولاياتالمتحدة بتحقيق هذه الأهداف. ولفت الرئيس بايدن الى أن أميركا لم تكن في أفغانستان لبناء دولة جديدة من الصفر، وأن مهمة بناء الدولة وشكلها تقع على عاتق المواطنين الأفغان وحدهم. وقال بايدن أن الولاياتالمتحدة وحلفائها يحتفظون ببعض القدرات البسيطة على الأراضي الأفغانية لحماية المطار الدولي في كابل ليبقى بيد حكومة غاني، كما وعد بالاستمرار بالعمل على إطلاق كل الأسرى الأميركيين المتواجدين في سجون طالبان. وأفاد بايدن بأنه من الأشخاص الذين اكتشفوا منذ وقت طويل أن البقاء في أفغانستان ليس في صالح الولاياتالمتحدة، مضيفاً: من يقول لنا اليوم انتظروا ستة أشهر فقط قبل الانسحاب أريد أن أذكرهم بأنهم قالوا نفس الكلام عدة مرات من العام 2015 ولم يحدث شيء سوى أننا خسرنا المزيد من الجنود الأميركيين في هذه الحرب. وحمّل جو بايدن إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب مسؤولية التصعيد الذي تقوم به طالبان غير آبهة بأي اتفاقيات ومفاوضات جرت في السابق، قائلاً: "حين وصلت إلى البيت الأبيض أتت طالبان في أقوى أيامها منذ بداية الحرب في أفغانستان ولذلك لا أريد أن أرسل جيل أميركي جديد ليقاتل من جديد في هذه الحرب التي لن تتغير نتيجتها مهما بقينا في أفغانستان". وقال الرئيس بايدن أن الولاياتالمتحدة والعالم يواجهون اليوم تهديدات أكبر وأخطر، مشيراً الى ضرورة محاربة تحديات العشرين سنة القادمة وليس تحديات الماضي وفي مقدّمتها مسألة تغيّر المناخ التي تهدد شعوب العالم كلها. وعلى الرغم من تصاعد الاضطرابات الامنية في أفغانستان، والتقدّم السريع لطالبان مضت الولاياتالمتحدة بخطتها لطي صفحة الحرب الطويلة، ليأخذ الرئيس جو بايدن على عاتقه مهمة اتخاذ هذا القرار الذي ترددت الإدارات السابقة من اتخاذه، حيث يقول "بنجامين فرايدمان" عضو الحزب الديموقراطي ومحلل السياسات الخارجية الأميركية ل"جريدة الرياض" أن هذا السقوط المريع والسريع للحكومة الأفغانية والذي بدأ بعد ساعات قليلة من انسحاب القوات الأميركية يعطينا أسباباً جديدة للانسحاب ولا يجب أن يؤخرنا فالبقاء للمزيد من الوقت لن يكون له أي قيمة سوى المزيد من الإنفاق العسكري الأميركي لحماية حكومة لن تكون قادرة على حماية نفسها في أي وقت تنسحب فيه الولاياتالمتحدة. مضيفاً "الحرب مع ميليشيا كطالبان خاسرة وكانت خاسرة منذ البداية ولكن أخذتنا إليها رغبة بوش بمواجهة أهوال الحادي عشر من سبتمبر والرغبة بالانتقام في وقت كان فيه الشعور الشعبي الاميركي كله متجه نحو الرغبة بالرد العسكري على من نفّذ وخطط وهاجمنا، وها نحن ننسحب اليوم أيضاً من هذا الحرب بناءاً على المزاج الشعبي الذي ملّ وتعب من هذه الحرب الطويلة ولم يعد يرغب بالبقاء في أفغانستان" ويلفت فرايدمان الى أن السجون الأميركية في أفغانستان والتي تضم الآلاف من سجناء طالبان والقاعدة هي واحدة من تحديات كثيرة تتركها الولاياتالمتحدة خلفها في أفغانستان، فوصول طالبان إلى هذه المواقع التي باتت اليوم في عهدة الحكومة الأفغانية سيخلق اضطراباً كبيراً في أفغانستان وهو أمر متوقع ولكن بات واضحاً أن حماية الأراضي الأمريكية من هجمات القاعدة لن تكون عبر التواجد الدائم في أفغانستان. من جانبه، أكّد الأدميرال مايكل مولين، الرئيس السابق المشترك للقوات القائمة على المهمة الأميركية في أفغانستان أن سيطر طالبان على كل البلاد هي أمر متوقع، والوعود بتقديم المساعدات الأمنية والانسانية لن تحقق الكثير، معرباً عن قناعته الشخصية بأن الوقت قد حان للانتهاء من هذه الحرب والخروج من أفغانستان حيث لا يوجد أي نهاية سعيدة في الأفق. وأعرب سيث كروسبي، نائب مساعد وزير البحرية الأميركية في عهد جورج بوش عن إدراكه بأن نتائج الحرب الأميركية لم تكن مثالية في أفغانستان لعدة أسباب في مقدّمتها أن الحرب مع ميليشيا تجنّد الأطفال جيلاً بعد جيل هي حرب "غير منتهية" بكل المعايير فطالبان مستعدة للقتال للأبد، بينما تقاتل القوات الأميكرية في السنوات الاخيرة جيلاً لم يكن موجود أصلاً أثناء بداية هذه الحرب ما يجعلنا نتسائل الى متى ؟ مضيفاً، المشكل الأكبر التي تواجه الولاياتالمتحدة وتمنعها من الوصول الى أهدافها سواء في العراق أو أفغانستان هي أننا نخطط لمثل هذه الحروب لمدة أربع سنوات فقط لا غير، ثم تأتي الانتخابات بأجندات سياسية جديدة وظروف داخلية جديدة فنغيّر سياساتنا بينما تخطط طالبان في أفغانستان او الميليشيات ومن ورائها ايران في العراق لمدة عشرين وثلاثين عام وهذا ما يجعل حربنا عبثية مع هذه القوى. ويرى كروسبي أن الولاياتالمتحدة تحتاج إلى الية جديدة للتعامل مع السياسات الخارجية، لتمنع فشل الأهداف الأميركية في الخارج أمام كل مطب سياسي داخلي، معرباً عن قلقه الشديد من المستقبل بالنسبة لأفغانستان، فطالبان لم تحقق فعلياً أي من شروط اتفاق الدوحة وعبر تقدمها الحالي تريد أن تصور بأنها انتصرت "انتصاراً كبيراً" حيث تأخذ المدينة تلو الاخرى على وقع الانسحاب الأميركي غير ابهة بالعواقب، وذلك لأن طالبان تدرك أن قرار الانسحاب بات نافذا ولا تراجع عنه ولا احد سيتحداها سوى الحكومة الافغانية الضعيفة التي تتركها الولاياتالمتحدة خلفها. ويلفت كروسبي الى أن أي أدوار خارجية سواء روسية أو قطرية أو تركية أو باكستانية سيكون مرحب بها من قبل الجانب الأميركي إذا تمكنت هذه الأدوار من تجنّب اندلاع حرب أهلية في أفغانستان، ولكنه يستبعد أن تتمكن هذه القوى من احتواء الموقف في أفغانستان ومنع اندلاع الحرب الأهلية فروسيا وهي أكثر هذه الأطراف نفوذاً تملك خوفاً شخصياً قديماً من التوغل من جديد في الورطة الأفغانية.