العالم بأسره يأمل منع إيران من صنع سلاح نووي، ولكنها تتجاهل كل الحلول الدبلوماسية وتقترب من امتلاك أسلحة نووية، مستفيدة من تراخي أميركا وتسهيلاتها منذ عهد أوباما وباقي دول الغرب والأمم المتحدة، وتمعن كعادتها في تحدي تلك الدول.. لا ريب أن عدم رغبة أميركا ودول الغرب والأمم المتحدة ومبعوثيها في إيجاد حل للوضع في اليمن هو الذي ساعد على التغول الإيراني بغرس أنياب ميليشيات الحوثي في أوصاله، ما أتاح لها أن تكون المتحكم الفعلي في اليمن بمساعدة قوى يمنية أخرى تهمها إطالة الأزمة وعدم اجتراح حلول لها؛ لأن الوضع الحالي باب كبير من أبوب التكسب كدأب كثير من الميليشيات والأحزاب في الوطن العربي، إن في فلسطين وإن في لبنان وسورية وغيرها، ناهيكم عن التهديد الخطير للملاحة الدولية في بحر عُمان وباب المندب والمحيط الهندي، وهو أمر أشاد به مخلبهم حسن نصرالله مرارًا في خطاباته الهائجة. ولهذا فقد بدا واضحًا أن تلك الميليشيات وقادتها أوكلت إليهم إيران مهامًا محددة إن في داخل دولهم وإن في خارجها، فقد أوكلت إلى حسن نصر الشيطان مهمة مهاجمة السنة في لبنان وسورية كما يقود الهجمة الإعلامية ضد بلادنا واستهدافها بالمخدرات، أمّا الميليشيات العراقية فأوكلوا إليها الضغط على السنة هناك، وإلى التحشد على الحدود الجنوبية للعراق، إضافة إلى الضغط على الحكومة العراقية ليظلَّ موقفها منحازًا لإيران معزولة عن محيطها العربي، وأمّا الحوثيون فقد أوكلوا إليهم إشعال النار في اليمن وفي محيطها العربي لاسيما بلادنا، ليكونوا نموذجًا آخر لحزب الشيطان اللبناني! إنه على الرغم من السبع الموبقات التي ترتكبها إيران فلا تتورع وحرسها الثوري والميليشيات التابعة لها عن القيام بأي شيء يخدم صراعهم مع الولاياتالمتحدة والعرب. فقد نشروا الإرهاب في المنطقة العربية، واحتلوا أربع عواصم عربية بميليشيات من مواطنيها، وأصبح قادتها يجاهرون باستهداف البلدان العربية لحساب إيران، ويصرحون باتباع أوامر الولي الفقيه لإدارة الصراع الإيراني العربي نيابة عنهم، واستهداف الأمن العربي باختراق أنظمة الحكم في تلك الدول ونشر الفتنة الطائفية فيها. كلُّ هذا لا يشكل شيئا لأميركا ودول الغرب التي ما انفكت تطلب ودَّ إيران، فانخرطت والقوى العالمية في محادثات استمرت هذا العام عدة أسابيع في العاصمة النمساوية فيينا؛ تخفيفًا للعقوبات المفروضة عليها في مقابل السيطرة على برنامجها النووي الذي لا هدف له سوى زعزعة أمن المنطقة العربية، بل واحتلال ما تقدر على احتلاله لاحقًا. لكنّ أميركا التي لا تهتم بأمن المنطقة لم تتورع عن حماية مصالحها في العراق التي لا تقاس حجمًا بعدة دول عربية تستهدفها إيران، فقد برر مسؤولون أميركيون الغارات الجوية التي نفذتها الولاياتالمتحدة فجر يوم الاثنين، على مناطق حدودية بين سورية والعراق استهدفت ميليشيات مدعومة من إيران في كل من البلدين، بحسب وكالة بلومبرج للأنباء، فقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أثناء زيارته للعاصمة الإيطالية روما: إن الغارات الجوية تظهر أن إدارة بايدن لن تتردد في حماية مصالحها في المنطقة، مضيفاً أن الغارات على المنشآت العملياتية ومستودعات الأسلحة جاءت ردًا على الهجمات على مصالح الولاياتالمتحدة، وأنها كانت عملًا ضروريّاً وملائمًا ومدروسًا يستهدف الحدَّ من خطر التصعيد، وإن الضربات يجب أن ترسل رسالة واضحة ورادعة لا لبس فيها، وآمل كثيرًا أن تصل إلى المستهدفين بها. وقالت جين بساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض للصحفيين يوم الاثنين، إن الهجمات على قواتنا يجب أن تتوقف، مستشهدة بخمسة على الأقل من الهجمات بطائرات مسلحة دون طيار منذ أبريل الماضي قائلة إنه لهذا السبب أمر الرئيس جو بايدن بشن الغارات الجوية. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، جون كيربي، إن الرئيس بايدن وجّه بشن مزيد من الضربات العسكرية لردع هجمات الميليشيات الموالية لإيران ضد المصالح الأميركية في العراق، وأشار إلى قصف مواقع الميليشيات المدعومة إيرانيّا ردّا على هجمات استهدفت أفرادًا ومواقع أميركية في العراق، مؤكدًا أن هذا يبين أن الرئيس بايدن واضح في أنه سيتحرك لحماية الأميركيين. إنّ بايدن الذي استفزته إيران بضرب المصالح الأميركية في العراق لا يرف له جفن إزاء إرهاب الحوثيين ضد المواطنيين في اليمن، واستهداف بلادنا بصواريخ إيرانية وطائرات دون طيار، بل إن الحمق بلغ به حدًا أن حذف اسم الحوثيين من قائمة الجماعات الإرهابية نكاية بالرئيس ترامب، وهو ما جعلهم يتمادون فيما يفعلون. ومع أن أميركا ودول الغرب يعلمون جيدًا أن إيران تجيد فن المرواغة وإطالة مدة التفاوض وإدارة أمورها بعقلية ناسج السجاد الإيراني، فإنهم يصرّحون بأنهم لن يسمحوا لإيران بالعبث معهم، فها هو جو بايدن يعلن أن إيران لن تحصل على سلاح نووي خلال حكمه، وقال وزير خارجيته: "صعب للغاية عودتنا للاتفاق النووي إذا طالت المحادثات عن اللازم، ولا تزال هناك خلافات جوهرية مع إيران"، لذا صرح الرئيس الأميركي بأنه سيتخذ إجراءات مختلفة تجاه إيران في حال فشلت الطرق الدبلوماسية، وكأنه لا يعلم سياسة النفس الطويل لدى المفاوض الإيراني علاوة على المراوغة، فالعالم بأسره يأمل منع إيران من صنع سلاح نووي، ولكنها تتجاهل كل الحلول الدبلوماسية وتقترب من امتلاك أسلحة نووية مستفيدة من تراخي أميركا وتسهيلاتها منذ عهد أوباما وباقي دول الغرب والأمم المتحدة، وتمعن كعادتها في تحدي تلك الدول المتهافتة على استرضائها طمعًا في الصفقات التجارية التي يأملون الحصول عليها بعد رفع العقوبات، تلك الدول المنافقة التي لا تستحي من غضها البصر عن الجرائم التي يرتكبها الحوثي في اليمن وحزب الشيطان في لبنانوالعراق وسورية بإيعاز من الولي السفيه، وإمعانا في التحدي فقد صرّح رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف هذا الأسبوع بأن اتفاق المراقبة الذي سبق التوصل إليه مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد انتهى، وإنَّه لن يتم تسليم أية تسجيلات للوكالة، وفقًا لوكالة تسنيم الإيرانية.. فماذا تنتظر أميركا وحلفاؤها بعد هذا؟!