كل من ترعرع في أزقة حائل وحواريها وشوارعها يعرف جيدا بئر سماح أو عين سماح.. قص عنها الأجداد قصصا تداولاتها الأجيال جيلا بعد جيل، أما شباب اليوم فيسمعون عنها حكايات جميلة، حتى يقولوا ليتها باقية يافعة تصب الماء صبا وتروي عطش الظمأ، ويتساءلون عن تجاهل المسؤولين لها سواء هيئة السياحة أو الآثار أو وزارة البيئة والمياه والزراعة أو أي وزارة تهتم بهذه العين الساحرة. وهل تستحق هذه العين التي تضخ مياها معدنية أنقى من بئر فيشي في فرنسا أن تصبح أثرا بعد عين، بعد أن كانت يوما تحول الأراضي الجرداء إلى جنة خضراء. في سابق العصر والأوان كم مسحت سماح تعب السنين وعرق الرجال الكادحين وغسلت التراب والملح والطين عن وجوه وأجساد البنائين والحرفيين والحطابين والمسافرين وكتمت في أعماقها أسرارا وأحاديث وحكايات العاشقين وأصغت للسامرين وسمحت بل رددت أهازيج الحصاد والزفاف والنواح وعرضات الحرب وصيحات المقاتلين وغناء الحدائين، وكم سقت آلاف القوافل من المهاجرين والمسافرين، ناهينا عمن قصدها من وإلى البيت العتيق. وتقع بئر سماح في الجانب الجنوبي من حائل، وتعد المقصورة الفعلية للبئر بعمق 25م عبر الصخور الجرانيتية الرخوة المتكسرة ويبلغ قطر الحفرة التي يسحب منها الماء أربعة أمتار. تعد بئر سماح من أنقى المياة المعدنية وتفوق في نقائها وعذوبتها وشهرتها بئر فيشي في فرنسا حسب قول الرحالة الذين زاروا حائل في تلك الحقبة، ومن أهم ما يميزها أنها تذيب الأملاح وتشفي أمراض الكلى وتساعد على الهضم. وأعطت سماح في آخر عهودها المنتجة لأبرز حارات المدينة القديمة التي شهدت التحولات التاريخية والتنموية في حائل وشهدت المخاض التعليمي الأبرز حين أسست أول مدرسة أهلية وهي مدرسة سبيل الرشاد 1353 هجرية، وتأسست في الناحية الشرقية من الحي أول مدرسة حكومية وهي المدرسة السعودية 1356 هجرية، وتلاها من الجهة الجنوبية مدرسة الملك عبدالعزيز 1369 هجرية وفي وسط الحي أسست المدرسة المتوسطة الثانية 1388 هجرية وسرعان ما أنشأت أول مكتبة عامة في المنطقة الشمالية وفي مدينة حائل وكانت في منتصف شارع العليا شمال الدورية. وحينما كانت الحارة في ازدهارها كانت محل النخب الاجتماعية وأصحاب السلطة والمال والقصور وشيئا فشيئا تحولت وتوافد عليها الطبقات الكادحة ومحدودي الدخل والباعة المتجولين وسرعان ما تحولت من داون تاون ومركز للثقل التجاري إلى حي شعبي لاسيما بعد أن بدأت مراحل نزع الملكيات أو ما عرف بالهداد والتثمين فتلاشت معالمها الأصيلة، ثم صارت بعد سني الطفرة موئلا للوافدين من كل الجنسيات، أما عينها الساحرة فقد طمست بالأسمنت والحديد.