** كان الحوار متشعباً في عدة اتجاهات عندما سألني أحدهم وقد جاء للتو من المدينةالمنورة.. قائلاً: أين هي تلك الآبار التي كنا نسمع عنها ونعرف بعضها في المدينةالمنورة في الزمن الماضي؟.. لقد ذهبت بعد غيبة طويلة عنها ولم أعرف شيئاً عنها. فاجأني السؤال ولكنني قلت له سريعاً لقد اندرست مع ما اندرس من آثار عدت عليها ظروف الزمن ومتغيراته.. وقد أستطيع الآن أن أعدد لك أسماء تلك الآبار من الذاكرة لكن من الصعوبة أن أحدد لك أماكنها بعد أن ضاعت كل المعالم وأصبحت أثراً بعد عين.. فكان هناك بئر أريس وهي ما كان يُطلق عليها بئر الخاتم أو "التفلة" ويُقال إن هذه البئر ضُمت إلى بئر العين الزرقاء وأضيفت إليها بئر الرباط وبئر بريدة وكانت هذه الآبار عند انحدارها في العين الزرقاء لها هدير ودوي وكان أهلنا يطلقون عليها شلالات العين الزرقاء.. وهناك بئر رومة.. بئر غرس ، بئر حاء، بئر بضاعة، بئر السقيا، بئر أيوب، بئر ذروان، بئر عروة بن الزبير، بئر البوصة، .. هذه الآبار كانت منتشرة في أرجاء وزوايا المدينةالمنورة .. وكانت تحكي تاريخاً تليداً فلكل بئر حكاية ولكل بئر قصة كنا نتداولها.. وننعم بمياهها فمثلاً بئر عروة كانت واحدة من أشهر هذه الآبار حيث يقصدها الناس لمائها شديد العذوبة، إضافة إلى تكوينه "المعدني" الذي يساعد على علاج حصى الكلى.. وهناك بئر "البوصة" والتي كان ماؤها قارس البرودة فكان كل من ترتفع درجة حرارته.. ينزل في وسطها ثم "يرتمس" في مياهها لمدة ساعة زمن ليخرج منها وقد زالت حرارة جسمه بعون الله. كما ذهبت كثير من البيوتات التاريخية والتي كان من المستحسن المحافظة عليها وذلك لتفردها في شكل البناء ودقة تنفيذه ول "تاريخيتها" لما شهدته من أحداث ومن وقائع لتلك الزعامات التي مرت بها أو سكنت فيها. فهناك بيت آل الخريجي الواقع في غرب مسجد الغمامة، كم من الزعماء أتى إليه وهو على ذلك البهاء من البناء.. وهناك بيت أسعد في زقاق الطوال وبيت الصافي في الساحة وغيرها من البيوتات جميلة البناء بتلك النمنمات الزخرفية التي كانت عليها.. وهناك بيت في مقعد بن حسين كل سقوفه - بالمرايا - ويُقال إن الشريف حاكم المدينة كان يصعد بفرسه إلى الأعلى بتلك "الدرج" المريحة. إضافة إلى مبنى العلوم الشرعية في شرق المسجد النبوي الشريف بأدواره الأربعة المشادة من الحجر الأسود المنقوش ومدرسة دار الأيتام في شمال المسجد النبوي الشريف ومكتبة عارف حكمت في جنوب المسجد النبوي الشريف كل ذلك وغيره من المباني التي كان في الإمكان المحافظة عليها بشكل أو بآخر. نعم لقد فاجأني السؤال وقد أعادني إلى بعض هذه الآبار وتلك البيوتات والأماكن التي لم يعد يعرف مكانها الآن ، لقد مضت ومضى معها كل شيء..