الأبناء نعمة عظيمة ومنّة من الله سبحانه توجب على العبد شكرها، وأداء الأمانة التي استرعاه الله إياها، ومن أدَّاها وعرف نعمة الله فيهم؛ فقد شكر الله -تعالى-، ومن فرط فيها، وضيع الأمانة؛ فقد جحد نعمة الله عليه؛ ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته؛ فكلكم راع ومسؤول عن رعيته. الأبناء زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) والأبناء من الشهوات (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ..)، وهذه الشهوات تزيينها بالإيجاد والتهيئة وإنشاء الجبلة، والميل إليها؛ لهذا فالمؤمن يدرك ذلك، ويعلم أهمية هذه الأمانة، ويعمل على إصلاحهم ويسأل الله -تعالى- لهم الهداية) إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)، وقد حرص الشرع على كثرة الأبناء؛ لأن زيادة النسل مقصد من مقاصد الإسلام؛ وقد حث الشرع على ذلك، ورغب فيه؛ لعمارة الأرض، وأن تكون أمة محمد "أكثر الأمم في الآخرة، قال: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة»أخرجه أبوداود وصححه الألباني، كما أن المسلم بعد موته ينتفع بدعاء ولده له، ففي صحيح مسلم قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». ومع حمأة الفتن وتلاطم أسبابها من الاتصالات وثورة التقنية والمعلومات وغيرها؛ كان من اللازم الذي فرطنا فيه وأولهم كاتب هذ الأحرف أن تكون لنا مع الأبناء والأسرة بشكل عام محطة إيمانية، ودروس للتربية والتعليم، حيث تهفو النفوس المطمئنة إلى الخيرات وتكره الشرور والمنكرات، فيخلو الأب من أبنائه وبناته بقوله وعمله، والأم كذلك؛ لأنها كيان وقاعدة أصيلة في الأسرة تضاعف حقها، وأولى الناس بحسن الصحبة. لنجعل من القرآن نصيباً نجتمع معهم ، نستثمر -ولو دقائق- في تفسير آية أو تعليم قراءة، ونعاهدهم ونتخوَّلهم حتى يرغبوا ولا يملوا، نصطحبهم للصلاة، نختار لهم الصحبة الصالحة، نراقبهم مراقبة المحب ونزرع فيهم الثقة ونعزز فيهم الوازع الإيماني، واحرصي أيتها الأم أن تجعلي سجادة ابنتك بجانبك دائماً؛ لأن الصورة أصدق من المقال وأبلغ منه كذلك، هيئوا البيئة المناسبة من الترفيه المباح الذي يروح النفس ويعينها على الطاعة والاستقامة، ليكن البيت مدرسة للقيم الأخلاقية التي يسعى الكثير إلى تطبيقها وتعزيزها وغرسها في نفوس الأبناء؛ لنعلمهم أن الإسلام بجميع جوانبه شامل صالح لكل زمان ومكان، لا يتغير ولا يتبدل، لنعلمهم أن الإسلام معنا في كل شيء: في المسجد والبيت في المدرسة والحي في العبادات والمعاملات في العلاقات في النوم والقيام في الشرب والطعام في كل شيء ؛ قال أبو ذر رضي الله عنه: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علماً. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا بُيّن لكم) رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني، فيا خسارة من فرط فلم يستثمر تربية الأبناء فكساهم من حلل الدين وعطّرهم بمسكه الفوّاح جعلنا الله -تعالى- ممن أدى أمانتهم وفاز بصلاحهم وهدايتهم وبرهم؛ فكانوا سعادة له في الدنيا ورفعة له في الآخرة.