نشرت مؤخراً وكالات الأنباء العالمية تقارير عن التحول الكبير في الاقتصاد السعودي بخصوص دور المرأة وزيادة مشاركتها في سوق العمل، والذي يعد مؤشراً نوعياً على التطور الاجتماعي والثقافي في المملكة والذي كان يراه الكثيرون صعباً ويتطلب زمناً أطول. كان عالم الاجتماع الكبير (جوستاف لوبان) قد ذكر في كتابه الشهير (السنن النفيسة في تطور الأمم) أن الشعوب تحتاج فترة طويلة حتى تغير مفاهيمها، لذلك كان يقول: إن تأثير الأموات على الشعوب أكثر من الأحياء، ولكن مع تطور وسائل التقنية والاتصال ازدادت سرعة الشعوب في التغير والتقارب. للأسف إن أهم وأكبر التغيرات في المنطقة العربية والشرق الأوسط كانت قائمة على التقليد والنقل من الغرب أكثر مما كانت واقعية وإيجابية، وكان فرج فوده - رحمه الله - يذكر في كتبه أننا نقلد الغرب في القشور ولا ننظر للجوهر، وتأكيداً لما ذكر ظهر في الدول العربية حسب كتاب (تحليل الأنظمة السياسية العربية للدكتور علي الدين هلال) ظهرت عدت أحزاب فاشستية مثل الحزب القومي السوري (سورية) الكتائب (لبنان)، مصر الفتاة (مصر) بالإضافة لظهور المد الشيوعي خلال نص القرن الأول والعامل المؤثر لظهور هذه التيارات هو الاستعمار، في المقابل نجح الملك عبدالعزيز بواقعيته السياسية من تأسيس دولة وتلبية احتياج المجتمع وهو الأمن، والأهم حرصه على تأسيس دولة حديثة منفتحة على العالم، وكان من حنكته أنه قرأ ريادة الولاياتالمتحدة للعالم بعد الحرب العالمية والتقى الرئيس روزفلت في مصر، بينما إسرائيل لم تتنبه للريادة الأميركية حتى حرب 56. للأسف لم يتنبه المتحمسون للنهضة والتطور لتجربة الملك عبدالعزيز، وعاد خريجو السوربون (زكي الأرسوزي، مشيل عفلق، صلاح البيطار) من باريس لتأسيس حزب البعث وبداية المد القومي العروبي خلال النصف الثاني من القرن تحت شعار (حرية، وحدة، اشتراكية)، وللأسف التطبيقات الاشتراكية دمرت اقتصاد الدول التي تبنتها، أما الحرية والوحدة أثبت التاريخ أن أبناء الفكر البعثي هم ألدّ أعدائها، والسبب أن فكر الحزب غير واقعي وضبابي، وكان يواجه فشله بالعنف العسكري الذي طال مؤسسي الحزب. بعد المد العروبي ظهر الإسلام السياسي باختلاف تياراته مثل الإخوان المسلمين وغيرها، والتي تتوجه بمسار غير عقلاني وغير حضاري ولا مكان للآخر والمرأة فيه، ومع تمدد هذا التيار بشكل متسارع. ظهر المشروع التجديد السعودي، العالم أصبح أكثر تواصلاً فيه، لكن هذا لا يعني تشابه المفاهيم وتقاربها، رأى ولي العهد السعودي أن يجعل المملكة أكثر تنافسية، وأن النمو الاقتصادي ليس أموالاً بل إنتاجاً وبيئة أعمال تحارب الفساد وتقارب الفوارق بين الرجل والمرأة وتعزز دور القطاع الخاص ودور القانون والشفافية.. هذه الإصلاحات في عمقها هي إصلاحات اجتماعية وثقافية تستمد في عمقها أن الإنسان هو صانع التغيرات والحضارات، وأول خطة يصنعها الإنسان ليغير العالم من حوله هو أن يغير مفاهيمه. لذلك كانت واقعية سمو ولي العهد التي تسير بنفس روح واقعية جده الملك المؤسس هي محل ثقة واحترام الجميع. وبين الملك المؤسس وسمو ولي العهد في سلسلة النسب، ملك مثقف عاصر الكثير من التحديات والتجارب.