اطلعت منذ أيام على التقرير السنوي لأحد مراكز المعلومات والإحصاء العالمية، الذي أورد في تقريره أكبر مائتي مكتب محاماة في العالم من ناحية الدخل الإجمالي والذي جاء في مقدمته شركة محاماة أمريكية إجمالي الدخل بها 3.000.000.000 دولار في مقابل شركة أسترالية تذيلت القائمة بدخل إجمالي 200.000.000 دولار، وإحقاقاً للحق فبقدر سعادتي بما اطلعت عليه من مبالغ هائلة تدرها هذه المكاتب لمساهميها، التي إن دلت على شيء فهي تؤكد أن مهنة المحاماة أصبحت قادرة أن تقارع من الناحية الاقتصادية عمالقة المنظومات التجارية في العالم، بقدر حزني لغياب المنافسة العربية والإقليمية والمحلية لهكذا تقارير إحصائية، خصوصا إذا ما علمنا أن حجم سوق المحاماة العالمي الحالي يتجاوز الترليون دولار، وهو ما يؤكد أن المحاماة لم تعد هي المهنة الفردية التي أقصى ما يمكن أن تدره لصاحبها اتزانا ماليا منخفضا إلى متوسط. فالتجارب الدولية أثبتت أن سوق المحاماة بات لصيقاً بفكرة الصناعة، التي أصبحت قاسماً مشتركاً في آلية العمل والتخطيط العلمي والمدروس الذي يجب أن يوضع في الاعتبار للراغبين بسبر أغوار المهنة والنجاح بها. كما أنني أرى أنه من المفارقات الإيجابية أن كلمة «صناعة» تحمل في طيات أحرفها أدوات النجاح للمهنيين الجدد ليصلوا إلى قمة النجاح في المهنة وفقاً لما يلي: الصاد: وترمز للصبر الذي يمثل الأساس في المهنة، فليس النجاح ثمرة سهلة وسريعة النضج والقطف، بل وليدة جهد يجب توليه بالرعاية والاهتمام فبناء مكتب محترف وكسب ثقة عملائه ليس بالأمر الهين بمكان ولكن إن «تأتّى» ذلك فنجاح المحامي وثباته مسلمة لا جدال فيها إن توافق ذلك مع توفيق الله عز وجل. النون: ودلالتها النباهة التي يجب أن يتحلى المحامي بها في طريقه للمجد، والنباهة هنا لا تعني العلم القانوني فقط بقدر ما تعني الذكاء الفطري والمكتسب المبني على قراءة المتغيرات والتفاعل والتكيف معها بشكل دوري وهي أهم سمات رجل الصناعة الناجح، فالشخوص والظروف وأدوات اقتصاديات المهنة باتت متغيرة بشكل متسارع ما يستلزم معه الانتباه لكل أطراف العلاقة بالمهنة لضمان الاستمرارية والتطور المؤدي للنجاح. الألف: وترمز للأمانة التي هي الأساس وجوهرة المحامي التي إن فقدت فلا قيمة للقانوني مهما بلغ من العلم، فمغريات المهنة كثر والتي قد تتغلب على الممارس القانوني ما لم يكن متسلحاً بأمانة تسخر لمصلحة كامل العملية العدلية وتطوع لبناء سمعة مهنية تشكل المعيار الأساسي لنجاح مكتب المحاماة وازدهار موارده. العين: وتدل على العمل، فالمهنة ليست كوظيفة ذات ساعات عمل محددة. فمن أراد النجاح وصناعة منتج قانوني ذي قيمة وجب عليه العمل الدؤوب المغلف بعلم شامل ومتطور في كل أفرع إدارة المشروع والفريق والمال والوقت دون تقيد بوقت محدد، وذلك لن يتم إلا بالانغماس في العمل والاستمتاع في البناء للوصول للنتيجة المأمولة. الهاء: وهي الهبة التي يهبها الله لكل من أدى عمله بالصبر والفطنة والأمانة والعمل الذي لا يضيع الله أجر من أحسنه. وبناء على ما سبق، فإني أرى أن السوق السعودي بات مهيأً لاستقبال رافد جديد من روافد الاقتصاد الحديث، والمتمثل في شركات المحاماة المهنية، وهي التي أجزم أنها في القريب العاجل ستكون من أفضل القطاعات التي سيتسابق المستثمرون من غير المهنيين للاستثمار بها، وذلك لضمان النجاح والربح لهذه المنظومات التي ستطبق المعايير العالمية في ممارساتها بشكل مؤسسي. خصوصاً بعد صدور نظام الشركات المهنية ذات المسؤولية المحدودة والتي فتحت المجال لغير المهنيين بالدخول كمستثمرين، وهو ما سيولد نوعا جديدا من الشركات يجتمع من خلالها قوة رأس المال البشري والمالي ما سيؤدي حتماً لنجاح هذه الشركات واستمراريتها بإذن الله. كاتب سعودي Firastrabulsi1@