ترتبط المملكة والسودان بعلاقات ثنائية تاريخية مميزة، حيث ظل كل بلد منهما يولي اهتماما وتقديراً للآخر على مدار التاريخ، وظلت العلاقات الممتدة بين البلدين الشقيقين تقوم على أساس التعاون المشترك وتبادل المصالح واستقرار أمنهما، واستثمار الإمكانات والمقدرات الكبيرة البشرية والمادية لهما. وكثفت المملكة من تحركاتها للضغط على دائني السودان للتوصل إلى اتفاق واسع لخفض ديونه البالغة 50 مليار دولار، وذلك خلال المؤتمر الذي انعقد في العاصمة الفرنسية باريس، للدعوة للاستثمار في السودان وتخفيف عبء الدين عنه. خبراء سودانيون: علاقات الخرطوموالرياض أزلية وذات خصوصية وبذلت المملكة جهوداً كبيرة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بصورة نهائية، إلى جانب دعمها اللا محدود للحكومة لإنجاح الفترة الانتقالية، كما يحرص البلدان على التعاون المشترك لحفظ أمن البحر الأحمر. رفع مستوى العلاقات وتطورت العلاقة بين البلدين الشقيقين خلال الأعوام الأخيرة في المجال الاقتصادي، ويسعى الجانبان لرفع مستوى العلاقات الثنائية، وذلك من خلال الاستفادة من الفرص الاستثمارية الكبيرة التي يوفرها اقتصاداهما، بالتركيز على القطاعات الاقتصادية ذات المزايا التفضيلية والنسبية، إضافة إلى تحسين العلاقات في جميع المجالات المختلفة، وكانت المملكة وما زالت وستظل مع كل ما يضمن للسودان أمنه واستقراره وسلامته سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأسهمت المملكة بفاعلية في التوصل لاتفاق الشراكة الموقع بين الأطراف السودانية بعد زوال النظام السابق، ودعمت الجهود التي بذلها الاتحاد الإفريقي وأطراف إقليمية أخرى للتوصل إلى ذلك الاتفاق. دعم الحكومة الانتقالية وتؤكد توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، على توطيد العلاقات مع السودان في مختلف المجالات، استناداً إلى وقوف المملكة مع الحكومة الانتقالية لإعادة السودان إلى مكانه الطبيعي بين دول العالم. والتزمت المملكة بتقديم 1.5 مليار دولار، كمنحة وجزء من المساعدات الاقتصادية كانت قد أقرتها للسودان في العام 2019، منها مبلغ 750 مليون دولار تم إيداعها في حساب الحكومة السودانية، و500 مليون دولار مخصصة للمساعدة في حل أزمة القمح والدواء والبترول وبعض السلع الأخرى. وتبرز المملكة كإحدى أهم الدول التي تربطها علاقات وثيقة بالسودان، والداعمة له لتجاوز الصعوبات الاقتصادية، ومن ذلك إيداعها 250 مليون دولار في البنك المركزي السوداني في مايو 2019، لتعزيز سعر صرف العملة المحلية. وقدمت المملكة مساعدات مالية للسودان تجاوزت 250 مليون دولار منذ بداية التغيير، للتخفيف من أي أثر سلبي على المواطن السوداني. وتعهدت المملكة في شهر مارس 2021 باستثمار ثلاثة مليارات دولار في صندوق مشترك للاستثمار في السودان، وتحرص على التأكد من أن تكون هذه الاستثمارات محفزاً لاستثمارات أخرى حكومية وخاصة. استثمارات سعودية ووصل حجم الاستثمارات السعودية المصادق عليها من الجانب السوداني في الفترة من العام 2000 حتى 2020 إلى 35.7 مليار دولار، نفذت منها على أرض الواقع مشروعات بنحو 15 مليار دولار، وتعمل الحكومة السودانية على تسهيل دخول الاستثمارات السعودية وإزالة العوائق كافة التي تواجهها. وتعد المملكة من أوائل الدول العربية التي استثمرت في السودان، وتتميز الاستثمارات السعودية في السودان بتنوعها، إذ تشمل المجالات الزراعية والصناعية والخدمية. التبادل التجاري وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين ثمانية مليارات دولار في العام 2019، بحسب بيانات مجلس الغرفة التجارية الصناعية السعودية. وقررت المملكة بالشراكة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، في شهر إبريل الماضي، تقديم 400 مليون دولار للسودان، لمساعدته في توفير مدخلات الإنتاج الزراعي للموسمين الصيفي والشتوي للعام الجاري 2021. وقدم الصندوق السعودي للتنمية تخصيص قرضين لتمويل مشروعات في قطاعي الصحة والتعليم في السودان للعام 2020، بقيمة 487.5 مليون ريال سعودي بواقع 243.75 مليون ريال لكل قطاع، ويعد هذان القرضان جزءاً من التمويل المقدم من الصندوق لدعم تنفيذ عشرات المشروعات التنموية في السودان. ونفذ مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية 28 مشروعاً في السودان، بلغت قيمتها الإجمالية حتى 30 إبريل الماضي 16.4 مليون دولار. مستقبل أفضل وظلت المملكة مهتمة بالتنمية وبناء مستقبل أفضل لأبناء السودان، وقد وقفت في الماضي إلى جانب هذا البلد، ودعمته بكل احتياجاته من المال والغذاء والوقود، وواصلت ذلك بالدعم الكبير الذي أمرت به القيادة لمؤسساته المالية والاقتصادية وتلبية متطلباته الغذائية. وتتطلع المملكة إلى أن يستمر السودانيون في تحصين اتفاق الشراكة المبرم بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، بما يكفي السودان شر التدخلات الخارجية التي لا تريد به خيراً. وتقف المملكة مع السودان لإتمام التحول السياسي خلال المرحلة الانتقالية بما يحافظ على كيان الدولة ويحمي مصالحها ووحدتها وأمنها واستقرارها. ولا تنظر المملكة إلى أشخاص أو أحزاب ولا تقيم علاقتها مع السودان على هذا الأساس، بل تتعامل مع السلطة الشرعية التي تمثل كل السودانيين. وتقدر المملكة للسودان مواقفه المساندة لها، لا سيما انضمامه لتحالف لدعم الشرعية في اليمن، وكذلك انضمامه إلى التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب. علاقة أصيلة والعلاقة السعودية مع الشعب السوداني قديمة وأصيلة، وشهدت تطوراً منذ سبعينات القرن الماضي، بمساهمة أعداد كبيرة من النخب السودانية في عمليات البناء والنماء والتطور التي شهدتها المملكة. وشهدت العلاقات السياسية بين البلدين الشقيقين تطوراً مستمراً منذ استقلال السودان في العام 1956م، وإنشاء أول تمثيل دبلوماسي بين البلدين، فضلا عن التواصل القائم بين البلدين عبر البحر الأحمر. ومثلت قمة الخرطوم في العام 1967م والتي عرفت بقمة اللاءات الثلاث تحولاً كبيرا في العلاقات السياسية وذلك عند زيارة المغفور له بإذن الله جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز. ولعبت المملكة دوراً مهماً في مشروعات التنمية في السودان، من خلال الاستثمارات والمشروعات الكبيرة التي تبنتها، ومنها المشاركة في مشروع مصنع "سكر كنانة" وعدد من المشروعات التنموية الأخرى، ويمثل البعد الاقتصادي أيضاً ركيزة أساسية في العلاقة بين البلدين في مجال الزراعة بشقيها النباتي والحيواني. ونما النشاط الثقافي المشترك بين البلدين الشقيقين، خاصة فيما يتعلق بوجود الطلاب السودانيين في بعض الجامعات السعودية، ومساهمة المملكة في جامعة إفريقيا العالمية، إلى جانب التعاون في ميدان الثقافة الواسع عبر البرامج التلفزيونية والإذاعية والمنتديات والمهرجانات وغيرها. هيكلة الديون ويقول الخبير الاقتصادي السوداني د. محمد الناير ل"الرياض" إن المملكة لعبت دورا كبيرا وشكلت ضغطا في عملية إعادة هيكلة ديون السودان في مؤتمر باريس، حيث كان لها إسهام مقدر وهي تعلن استعدادها الكامل لإعفاء ديونها على السودان البالغة 4 ونصف مليار دولار مما حفز البقية على السير في طريقها وهذا ما أعطى إضافة كبيرة لمؤتمر باريس. وأشار الناير إلى أن المملكة لم تكتفِ بذلك بل أعلنت عن 3 مليارات دولار أخرى في شكل صندوق سيادي لدعم فترة الانتقال المعقدة في السودان هذا مع دورها المشهود في دعم الحكومة الانتقالية منذ ميلادها ضمانا للاستقرار في هذا البلد. وشدد الناير على أن هناك عشما سودانيا ما يزال كبيرا لزيادة حجم الاستثمارات السعودية بالإضافة لزيادة حجم التبادل التجاري خاصة وأن المملكة تعتبر ثاني شريك تجاري للسودان. قيادة أزلية وفي السياق يقول الخبير الاقتصادي د. هيثم فتحي إن علاقة بلاده مع المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً أزلية ومتجذرة ومتنامية أساسها الأخوة الصادقة والدين واللغة والجوار والتاريخ المشترك، وستظل هذه المبادئ هي أساس لتلك العلاقات، وتتجلى يوميا حقيقة هذه العلاقات التي ستظل دوماً عصية على أي محاولات، ذلك أنها علاقات متينة ضاربة جذورها في أعماق التاريخ يربطها هدف واحد ومصير مشترك. ويؤكد فتحي أن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- قدمت الشيء الكثير للسودان، ولعل الدعم السريع من المملكة لمساندة السودان في كل الكوارث الطبيعية التي تحدث خير دليل على امتداد هذا الدعم السخي من المملكة. ويشير فتحي إلى أن السودان دائماً يقف مع المملكة في كافة المحافل الدولية وكذلك المملكة تقف إلى جانب السودان في القضايا السياسية والاقتصادية، فخير شاهد وقوف المملكة مع السودان في رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية الأحادية ثم مساهمة المملكة في إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومساندة المملكة لإعفاء ديون السودان الخارجية والاستفادة من مبادرة الدول المثقلة بالديون. تجاوز الصعوبات ويشدد على أن المملكة ظلت تقف مع السودان للخروج من أزماته السياسية منذ زمن والآن تقف مع السودان حتى عودته للمجتمع الدولي بشكل كامل. ويلفت فتحي إلى التزام المملكة بتقديم 1.5 مليار دولار، كمنحة وجزء من المساعدات الاقتصادية كانت قد أقرتها للسودان في العام 2019، منها مبلغ 750 مليون دولار تم إيداعها في حساب الحكومة السودانية، و500 مليون دولار مخصصة للمساعدة في حل أزمة القمح والدواء والبترول وبعض السلع الأخرى. وتبرز المملكة كإحدى أهم الدول التي تربطها علاقات وثيقة بالسودان، والداعمة لها لتجاوز الصعوبات الاقتصادية، ومن ذلك إيداعها 250 مليون دولار في البنك المركزي السوداني في مايو 2019، لتعزيز سعر صرف العملة المحلية، كما قدمت مساعدات مالية تجاوزت 250 مليون دولار منذ بداية الفترة الانتقالية، للتخفيف من أي أثر سلبي على المواطن السوداني. ويقول فتحي إن المملكة تعتبر هي الدولة العربية التي تحتضن أكبر جالية سودانية ينتشر أفرادها في جميع بقاعها ويقدمون كل ما يملكون من خدمات وتجارب لخدمة أشقائهم في المملكة كما يمتن الشعب السوداني للأخوة السعوديين بكثير من الثناء الجميل لحسن استضافة إخوانهم السودانيين بينهم واقتسام لقمة العيش معهم فأصبح ما يجمعهم أكبر من أن يفرقهم. قيم حضاري ومن جهته يقول الخبير السياسي د. محي الدين محمد محي الدين أن المملكة العربية السعودية والسودان تجمع بينهما علاقات وطيدة ترتكز على قيم حضارية أساسها روابط الإخاء والمحبة وهي قيم كانت تمظهراتها الواضحة دعم الاقتصاد السوداني على مدى أكثر من 40 عاما، فضلا عن احتضان المملكة لآلاف السودانيين الذين يوفر عملهم فيها مصدرا ماليا يغذي الاقتصاد بالعملات الحرة ويحسن من الأوضاع المعيشية لأسرهم. ويضيف قائلا "لعل أحد أهم الجوانب التي لا يجب إغفالها هو الدعم الذي ظلت تقدمه المملكة في كل الأزمات التي واجهت الشعب السوداني مثل الجفاف والتصحر أوائل ثمانينات القرن الماضي وكذلك كوارث الفيضانات المتكررة على مدى العقود الماضية" . تعاون سياسي على صعيد التعاون السياسي يقول د. محي الدين "أحسب أنه كان دائما متجاوزا للنظام القائم لكنه يتأسس على رغبة في دعم الشعب لذلك كان الموقف السعودي الداعم للسودان في مفاوضاته مع الولاياتالمتحدة بشأن رفع العقوبات الاقتصادية عام 2017 ومن ثم رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب وهو التطور الأبرز الذي مهد لعودة التعامل مع المؤسسات المالية الدولية، وذاك موقف يحسب لحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إذ أنّها تسجل موقفا تاريخيا وتضع السودان على منصة انطلاق نحو التعافي الاقتصادي". ويؤكد محي الدين أن النقطة المهمة هي التزام المملكة بإعفاء ديونها على السودان التي تتجاوز 4 مليارات دولار لتقدم بذلك نموذجا لبقية الدول العربية ودول العالم يمكن أن يسهم في تسريع عملية تخفيف وإعفاء الديون ضمن مبادرة الدول المثقلة بالديون الهيبك، وبذلك يتحقق أحد أهم شروط النمو الإيجابي للاقتصاد السوداني". ويمضي قائلا "لعل التزام المملكة العربية لن يقف عند هذا الحد بل يتجه حسب تعهدات حكومة خادم الحرمين الشريفين إلى حث الدول الدائنة لإعفاء ديونها على السودان". الأمن الغذائي ويقول إن الشعب السوداني ما يزال يتعشم في المملكة أن تفعل مبادرتها الخاصة بتحقيق الأمن الغذائي العربي التي قدمها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز في إحدى قمم الجامعة العربية، حيث يعتبر السودان المرتكز الأساسي لهذا المشروع الطموح لما يملكه من مساحات زراعية من شأنها أن تزيد الإنتاج الزراعي وتطور هذا القطاع لمصلحة السودان وأشقائه العرب، وهو ما سيزيد من التبادل التجاري بين البلدين بشكل كبير بما يرفع من مساهمة المملكة في الاستثمارات ويعزز النمو الاقتصادي الموجب بالسودان. نهضة اقتصادية ويواصل محي الدين "لذا فإن دور المملكة محوري في النهضة الاقتصادية المأمولة بالسودان لتوافق الاهداف والمصالح واتساقها مع رؤية المملكة 2030 التي تتجه لتنويع مصادر دخل المملكة وتعزيز مكانتها الاقتصادية والسياسية في المنطقة، وهي كذلك تمتين للشراكة الذكية بين البلدين اللذين يتمتعان بساحل طويل على البحر الأحمر إذ تعد المملكة العربية السعودية الأطول ساحلا على هذا الممر المائي المهم بينما يتربع السودان على المرتبة الرابعة ويقع في منطقة قريبة من مضيق باب المندب الحيوي لتجارة النفط والذي تمر عبره نحو 30٪ من إنتاج الخليج منه". ويتوقع د. محي الدين أن تشهد الفترة القادمة تطورا مضطردا في المجالين الاقتصادي والاستراتيجي بما يحقق مصالح الشعبين الشقيقين. ولي العهد ملتقياً رئيس الوزراء السوداني د. عبدالله حمدوك فرق مركز الملك سلمان للإغاثة تقدم العون للسودانيين المملكة كانت سنداً وداعماً إنسانياً للسودان