القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى، هو الهدى والنور ورحمة وروحٌ من أمر الله (وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ)، كتاب الله هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة، من قال به صدق ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، القرآن لا يمل المؤمن من تلاوته ولا من الحديث عن فضائله وأسراره وجماله؛ فهو كلام رب العالمين ودليل على صفة من صفاته. والقرآن في رمضان له مكانته كغيره من شهور السنة إلا أن معاهدته، والاجتهاد في تلاوته والزيادة في مدارسته تتأكد؛ لشرف الزمان، وقد كان هذا الشهر العظيم موعد نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا في ليلة القدر (إنا أنزلناه في ليلة القدر) قال ابن عباس رضي الله عنهما كما عند الطبراني والحاكم وصححه الذهبي: «أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة»، وللقرآن مع هذا الشهر مدارسة دائمة، حيث كان جبريل -عليه السلام- يلقى النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة في رمضان؛ فيدارسه القرآن كما جاء في صحيح البخاري. قال ابن رجب -رحمه الله-: «وفي حديث ابن عباس أن المدارسة بينه صلى الله عليه وسلم وبين جبريل عليه السلام كانت ليلاً، يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل ويجتمع فيه الهم ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر، قال تعالى (إن ناشئة الليل هي أشد وطئًا وأقوم قيلًا). القرآن في رمضان تتوق النفوس إليه حين ينادي المنادي أول الشهر يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، فتلج المساجد بأصوات القارئين، وكأنهم يقولون إن لنا مع القرآن موعداً لن ينتهي، فرمضان بدايته، واليقين نهايته (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)، يجب أن نجعل من رمضان مدرسة نتخرج منها؛ لنجعل من القرآن منهج حياة ونوراً نبصر به الطريق وملجأً من فتن، لا مخرج منها إلا به وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن أراد زوال الهموم والكروب وسعادة الدنيا والآخرة فحسبه كتاب الله (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). القرآن محفوظ بحفظ الله إلى قيام الساعة (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)؛ ولهذا لا يضره تحريف الغالين واستهزاء الضالين المبطلين (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم...). القرآن تلاوة وحفظ وتدبر وعمل وتشافٍ، ولا يقتصر على التلاوة فقط؛ بل هو حياة كاملة ينطق به اللسان، وتعمل به الجوارح، وتهذب به العقول، وتتحرك به القلوب؛ فاللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا.