إنّ أبناء المملكة الكِرام يُدركون إدراكاً يقينياً أن وطنهم الآمن والمستقر والمعطاء مُستهدف، وأنهم محسودون على النعم العظيمة التي يتمتعون بها بداية من قيادتهم السياسية الحكيمة، وليس انتهاءً بالرفاه الاجتماعي المتوفر في جميع مناطق ومحافظات المملكة.. شهادة التاريخ المقروء قد يدور حولها نقاشات، إما تؤكد صحة المكتوب في سجلاتها وتثبت المنقول على ألسنة رواتها، وإما تُشكك بما تم كتابته وبما تناقله الرواة من أحداث وقصص وحكايات؛ وفي كلتا الحالتين سيكون الأثر لتلك الأحداث والحكايات والقصص محدوداً لقلة المطلعين عليها، أو لتواضع أسلوب المحدثين بها وعدم قدرتهم على نقل الصورة الذهنية باحترافية وتمكُّن. أما عندما تكون شهادة التاريخ مبنية على الصور الصامتة والصور المتحركة "فيديوهات" للأشخاص والأحداث، فعندئذٍ لن يستطيع التشكيك بصحتها أياً كان، ولن يتمكن من الطعن بحقيقتها قاص أو راوٍ، لأنها الحقيقة التي سجلتها أدوات التقنية الحديثة، ونقلتها كما حدثت للأجيال القادمة. ولكن ماذا إن تطابقت الصورة الصامتة والصور المتحركة مع سجلات التاريخ المكتوب، وثبتت ما تناقلته ألسنة الرواة، فعندها ترتفع قيمة ومصداقية سجلات التاريخ المكتوب، وتعلو منزلة وموثوقية كُتابها ورواتها وقاصيها، وتنفضح أكاذيب وتدليس دعاة الفتنة من أهل النفاق والباطل. إنها معايير عامة يمكن استخدامها وتوظيفها لتساعد على معرفة الحقائق من عدمها. فإذا أردنا تطبيق هذه المعايير العامة على واقع المملكة المُعاصر وتاريخها المُمتد للمئة عام الماضيةُ على أقل تقدير، فسنجد أن التاريخ المقروء وما تضمنته السجلات المكتوبة وما تناقله ألسنة الرواة يتوافق تماماً مع الصور الصامتة والصور المتحركة "الفيديوهات" التي وصلت إلينا بشكل أو بآخر، وعبَّرت عن واقع المملكة قبل مئة عام، وكيف أصبحت في وقتنا الراهن. وعلى الرغم من الفروقات العظيمة التي حدثت بين العصرين على مدى المئة عام الماضية، إلا أن المُشترك بينهما هو التزام أبناء المملكة - جيلاً بعد جيل - بشكرهم لله - عز وجل - على عظيم النعم التي منّ بها عليهم ابتداءً بتولية من يؤمن بالله ويقيم شعيرة الإسلام وهم أسرة آل سعود الكريمة عريقة النسب أصيلة المنشأ، وليس انتهاءً بالمكانة العظيمة والمنزلة الرفيعة التي تحظى بها دولتهم وشعبها الكريم في أرجاء المعمورة. كان الوهن والضعف سائداً، والجهل عاماً، والانقسام والتناحر قائماً، والخوف وغياب الأمن واقعاً، والفقر والجوع وتفشي الأوبئة والأمراض مشهوداً، والبدع والضلالات في ازدياد وانتشار، والقوى الخارجية الطامعة من العثمانيين وأتباعهم تعبث بأرض الحرمين الشريفين وتتعدى على مقدسات وحرمات المسلمين وتستبد وتستعبد أبناء الجزيرة العربية؛ إلا أن فضل الله عظيم، فتبدل الحال إلى أفضل حال عندما سخَّر الله الإمام المُخلص والملك العادل عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود - طيب الله ثراه - ليقيم أسس الدين العظيم، وليخدم الحرمين الشريفين ومقدسات المسلمين ويحميهما من كل معتدٍ أثيم، وليعيد للعرب عزتهم الأولى ويعلي مكانتهم بين الأمم. لقد بدأت مسيرة ذلك التحول العظيم في شبه الجزيرة العربية عندما أيقن أحفاد أبناء الدولة السعودية الأولى والثانية أن وقوفهم خلف الإمام الشاب عبدالعزيز لاستعادة دولة آبائه وأجداده وإقامة الحكم العادل سيحفظ لهم أمنهم ودماءهم، وسيُعيد لهم سلمهم الاجتماعي وعزتهم ومنعتهم، وسيُعلي منزلتهم بين الأمم؛ عندها كان شكر الله سبحانه وتعالي على تلك المسيرة المباركة هو اليقين الذي عملوا به. لقد كانت الإمكانات ضعيفة، والقدرات محدودة، والموارد شحيحة، والتحديات كبيرة، والعقبات متتابعة، والأعداء متربصين؛ إلا أن عزيمة الإمام الشاب عبدالعزيز ورجاله كانت عظيمة، واليقين بنصر الله وتمكينه - إن شكروه - كانت حاضرة في كل وقت وحين. فتحقق بفضل الله عز شأنه، وبدوام شكره سبحانه وتعالى على عظيم نعمه، النصر والتمكين، لتقوم دولة الإسلام، المملكة العربية السعودية، وليبدأ ملكها المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه - رحلة البناء والتشييد والتنمية على أسس حديثة وعصرية تجاري الزمن وتتطلع لمستقبلٍ مزهر. تلك الرحلة المباركة لبناء الدولة استمرت مع أبناء الملك المؤسس، ومن خلفهم أبناء شعبهم الأوفياء المخلصون لدينهم وملوكهم، واستمر معهم شكر الله - عز وجل - على أن نصرهم ومكنهم وزادهم من فضله وعظيم عطائه. إنها رحلة بناء وتنمية طويلة، وظروفها قاسية وصعبة، امتدت لعقود مُنذُ أن استعاد الإمام الشاب عبدالعزيز الرياض؛ إلا أن اليقين بالله والعمل المتواصل والحكمة المعهودة أنتجت وأثمرت دولة حديثة تساهم في أمن واستقرار المنطقة والعالم، وتؤثر في نمو الاقتصاد العالمي، وتتصدر قائمة المنتجين لمصادر الطاقة العالمية، وتتواجد في مجموعة العشرين لأكبر اقتصاديات العالم. فإذا كان التاريخ المكتوب والمصور يشهد بضعف الإمكانات وتواضع القدرات التي كانت لدى المملكة على مدى عقود عديدة، فإن الواقع المكتوب والمصور في وقتنا الراهن يشهد بأن المملكة تأتي في مصاف دول العالم المتقدم والمتحضر، ويشهد بأن أبناءها يتمتعون بعزة عظيمة بين الشعوب، وبرعاية صحية وتعليمية ورفاه اجتماعي لا مثيل لها بين الأمم، وبأمن وسلم واستقرار اجتماعي غير مسبوق في التاريخ الإنساني، وبحنكة وحكمة قيادتها السياسية التي لا نظير لها في إدارة الدول. هذه الحقائق البيّنة والواقع المُعاش الذي أعلى من مكانة المملكة وأبنائها الكرام بين الأمم هي التي أزعجت أعداء المملكة، وأثارت غيظ وحنق الحاسدين والحاقدين عليها وعلى أبنائها، ودفعت المُنافقين والعُملاء والمُرتزقة والخونة للتآمر عليها ومحاولة تشويه صورتها وصورة قادتها النقية بين الأمم بمختلف الوسائل والأدوات. إن أبناء المملكة الكِرام يُدركون إدراكاً يقينياً أن وطنهم الآمن والمستقر والمعطاء مُستهدف، وأنهم محسودون على النعم العظيمة التي يتمتعون بها بداية من قيادتهم السياسية الحكيمة، وليس انتهاءً بالرفاه الاجتماعي المتوفر في جميع مناطق ومحافظات المملكة؛ ما مكنهم من الوقوف صفاً واحداً في وجه أعداء الوطن، والرد بحزم على المؤامرات والأكاذيب والتدليس والضلالات التي يختلقها ويطلقها ويرددها المُرتزقة والعُملاء والخونة أعداء الدين والوطن. إن أبناء المملكة الأوفياء لتاريخ آبائهم وأجدادهم في الوقوف خلف ملوكهم، والمخلصون لولاة أمرهم من أبناء وأحفاد الملك المؤسس، يواصلون تقديم الدروس للعالم أجمع في شكرهم لله سبحانه وتعالى، وسؤاله - عز وجل -، أن يمُنَّ عليهم وعلى وطنهم المُبارك بمزيد من الخير والبركة تحت قيادة ولاة أمرهم وملوكهم الكرام. وفي الختام من الأهمية القول إن رحلة البناء والتشييد والتنمية المُباركة التي ابتدأها الملك المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه - تتواصل بعزيمة عظيمة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - وبإشراف ومتابعة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - وفقه الله - الذي أعلن في 30 مارس 2021 عن رحلة بناء وتنمية وتشييد جديدة ونوعية باستثمارات تبلغ قيمتها 27 تريليون ريال (7 تريليونات دولار) خلال العشر سنوات القادمة. هذه السيرة والمسيرة المُباركة التي تعيشها المملكة بأمن واستقرار تدفع دوماً أبناء المملكة الكِرام لأن يواصلوا شكر الله سبحانه وتعالى، وأن يسألوه - عز وجل - أن يديم عليهم الأمن والأمان والرخاء والاستقرار، وبأن يحفظ الله لهم وطنهم وولاة أمرهم.