إن على الأمة العربية دراسة التاريخ السياسي المُمتد والحاضر لتجنب تكرار الأخطاء التي كلفت الأمة العربية الكثير من المآسي والأحزان والخسائر العظيمة التي لا يمكن تعويضها، إنها دروس يجب أن يعيها كل مواطن عربي أياً كان موقعه.. مساء يوم السبت 3 أبريل 2021م، وعندما بثت وكالة الأنباء الأردنية "بترا" أخباراً منقولة عن مصدر أمنيّ يفيد باعتقال مواطنين أردنيين لأسباب أمنية؛ وعندما نقلت "بترا" في اليوم التالي عن نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي قوله إنه تم "رصد اتصالات مع جهات خارجية لاختيار الوقت الأنسب لزعزعة أمن الوطن" بتوارد هذه الأخبار السلبية غير المُعتادة وغير المعهودة عن الأردن - الدولة المسالمة في سياساتها والإيجابية في مواقفها - تواردت تساؤلات عديدة محورها هو: من المستفيد من عدم استقرار الدولة الأردنية؟ ومن المستفيد من خلخلة حالة الأمن والسلم الاجتماعي الذي يعيشه أبناء الأردن؟ ومن المستفيد من زعزعة استقرار نظامه السياسي؟ وفي مقابل هذه التساؤلات العديدة تُطرح التساؤلات المُضادة لها تماماً ومحورها هو: من المُتضرر فعلاً من عدم استقرار الدولة الأردنية؟ ومن المُتضرر من تبعات حالة عدم الاستقرار بمختلف مستوياتها السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية؟وأعتقد أن هذه التساؤلات العديدة المركبة يجب أن تُطرح لأن الإجابة عليها تساعد على الإجابة على تساؤلات عديدة تتعلق بالأمن القومي العربي بمجمله، وكذلك لأنها تواردت لدى الغالبية العظمى من الرأي العام في الوطن العربي الذي يتطلع لمعرفة أعدائه وأصدقائه. وبعيداً عن الافتراضات التي قد تُطرح للإجابة على هذه التساؤلات العديدة، فإن الإجابة سوف تبتعد عن الافتراضات وتُبنى على تحليل الواقع السياسي الذي تعيشه المنطقة العربية على المدى المتوسط والقريب. إن هذا الواقع السياسي المُمتد يجيب على الكثير من التساؤلات المتعلقة بالأمن القومي العربي عموماً، ويجيب كذلك على حالة الاستهداف القائمة لأمن واستقرار الدول العربية المعتدلة، ومنها الدولة الأردنية. نعم، إن هذا الواقع السياسي المُمتد على مدى عقود يُخبرنا بأن الأمن القومي العربي كان قوياً ومتماسكاً وصلباً عندما كانت الأنظمة السياسية العربية تقدم المصلحة العليا للأمة العربية، على حساب المصالح الحزبية الضيقة، ما جعل لهم عزة ومكانة، ومن ذلك عندما وقفوا صفاً واحداً خلف مصر في أكتوبر 1973م. وفي مقابل هذه الصورة المُشرفة للنموذج العربي، يأتي الواقع السياسي المُمتد على مدى عقود ليُخبرنا بأن الانحراف الفكري والأيديولوجي والجهل بواقع السياسة الدولية أسس لبدايات الانهيار في منظومة الأمن القومي العربي، واستنزاف مقدرات وإمكانات الأمة العربية، وبدأت بوادر الانقسامات العربية - العربية، وذلك عندما ارتكب نظام البعث في العراق جريمته التاريخية بغزو دولة الكويت عام 1990م. فعلى قدر الأسى والألم والضرر الذي أصاب المواطن العربي ومنظومة الأمن القومي العربي؛ على قدر الفرح والسرور والسعادة والفائدة التي شعر بها وعاشها وتطلع لها أعداء الأمة العربية، سواء كانوا إقليميين أو دوليين. وإذا كانت تلك الجريمة التاريخية التي أقدم عليها نظام البعث في العراق تُمثل بداية الانهيار لمنظومة الأمن القومي العربي، فإن الاحتلال الأميركي لدولة العراق عام 2003م، ومن ثم قيامه بتسليمه كاملاً للنظام الإيراني المتطرف، يمثل إعلاناً صريحاً لانهيار واختراق منظومة الأمن القومي العربي من خلال الوجود الإيراني في العراق. نعم، لقد مثل الوجود الإيراني المُباشر على الأراضي العربية في العراق فائدة عظيمة للنظام الإيراني المتطرف؛ وفي المقابل شكل خسارة عظيمة وكبيرة جداً لمنظومة الأمن القومي العربي. وعلى الرغم من هذه الخطوة المؤلمة التي استفاد منها أعداء الوطن العربي، وتضرر منها المواطن والوطن العربي، إلا أنها، للأسف، لم تكن إلا البدايات لمآسٍ وأضرار قادمة. هذه الخسائر العظيمة لمنظومة الأمن القومي العربي جعلت أعداء الأمة العربية، وعلى رأسهم النظام الإيراني المتطرف، يتطلعون لمزيد من المكاسب وحصد الكثير من الفوائد على حساب الأمة العربية، وذلك عندما دعموا وأيدوا حالة الفوضى العربية التي حدثت في بعض الدول العربية أواخر عام 2010م وبداية عام 2011م التي أطلقوا عليها زوراً عبارة "الربيع العربي". ومن الأهمية القول هنا إن أعداء الأمة العربية الذين استفادوا من حالة التصدع والانهيار في منظومة الأمن الوطني العربي إنما استفادوا استفادة عظيمة من الجهلة والمرتزقة والعملاء داخل الوطن العربي حيث قبلوا أن يخونوا أوطانهم ويُفيدوا بكل ذُل ومهانة أعداء أمتهم العربية. فعلى نهج الحزب الإيراني في لبنان؛ عملت جماعة الحوثي الإرهابية في اليمن، وجماعة الإخوان المسلمين المتطرفة في مصر وغيرهما، والأحزاب الطائفية في العراق، بالإضافة لعناصر وأحزاب وجماعات مرتزقة وعميلة وخائنة، على خدمة أهداف أعداء الوطن العربي على امتداده. فإذا كان الواقع السياسي المُمتد يُخبرنا بأن كل حالة عدم استقرار في الوطن العربي تقابلها فائدة عظيمة لأعداء الوطن العربي، وخاصة للنظام الإيراني المُتطرف؛ فإن الواقع السياسي الراهن يُخبرنا ويُنبئنا بأن استهداف أمن واستقرار الدول العربية، بما فيها الأردن، سياسة قائمة ومتواصلة يعمل عليها أعداء الأمن القومي العربي، ويساعدهم في ذلك الجُهلاء والعُملاء والمُرتزقة والخونة من أبناء الأمة العربية المقيمين داخلها وخارجها. إذاً نحن أمام حالة استهداف مباشرة لأمن واستقرار الأردن يستفيد منها حتماً أعداء الوطن العربي، وخاصة النظام الإيراني المُتطرف ومن يتبعه ويعمل معه؛ ويتضرر من عدم استقرار دولة الأردن، الدول العربية ومنظومة الأمن القومي العربي. وفي وجه هذه المؤامرة العظيمة التي تتعرض لها دولة الأردن لزعزعة أمنها وسلمها واستقرارها، بادرت الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، إلى الوقوف مباشرة مع دولة الأردن سواءً بالبيانات السياسية المؤيدة للأردن ولقيادته الكريمة، أو بتسخير الإمكانات والقدرات التي يحتاجها الأردن لصد مؤامرات الأعداء ومرتزقتهم، أو بتقديم الدعم والمساندة لتعزيز أمنه الوطني وسلمه الاجتماعي واستقراره السياسي الذي هو مطلب وحاجة للأمة العربية جمعاء. وإذا كانت المواقف السياسية المؤيدة لأمن واستقرار الأردن مُتعددة، فإن أولى هذه المواقف المُشرفة للأمة العربية جاءت من المملكة التي أصدرت مباشرة، في 3 أبريل 2021م بياناً بثته واس جاء فيه: "صدر عن الديوان الملكي اليوم البيان التالي: انطلاقاً مما يربط المملكة العربية السعودية مع المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة من روابط وثيقة راسخة قوامها الأخوة والعقيدة والمصير الواحد، وامتداداً لتاريخهما المشترك وأن أمنهما كل لا يتجزأ، فإن المملكة العربية السعودية تؤكد وقوفها التام إلى جانب المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة ومساندتها الكاملة بكل إمكاناتها لكل ما يتخذه صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين وصاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد من قرارات وإجراءات لحفظ الأمن والاستقرار ونزع فتيل كل محاولة للتأثير فيهما. سائلين المولى عز وجل أن يديم على المملكة الأردنية الهاشمية أمنها واستقرارها في ظل قيادة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي عهده الأمين". وفي الختام من الأهمية القول: إن على الأمة العربية دراسة التاريخ السياسي المُمتد والحاضر لتجنب تكرار الأخطاء التي كلفت الأمة العربية الكثير من المآسي والأحزان والخسائر العظيمة التي لا يمكن تعويضها، إنها دروس يجب أن يعيها كل مواطن عربي أياً كان موقعه؛ لأنه هو المستفيد إن ارتفع شأن العرب وتوحدت سياساتهم، وهو الخاسر إن أصاب العرب الوهن والفرقة.