لا شك أن سنة 1900م تعتبر بمثابة قطيعة ابستمولوجية مع المفهوم القديم للأحلام وارتباطها بالعقل البدائي والميثولوجيات وهي السنة التي صدر فيها كتاب فرويد تفسير الأحلام، والغريب في ذلك عناية فرويد بالأحلام ودراستها دراسة علمية إكلينيكية مستفيداً من العتاد المعرفي للقرن التاسع عشر والكشوفات العلمية فيه وهو رجل العلم الذي تخصص في بداية مسيرته الطبية بعلم الأعصاب. عنايته بالرموز والأساطير قادته إلى تلك اللغة الكامنة في الأحلام بعدما أزال عن الأحلام ما تلبس فيها من أغبرة التاريخ فقد قام بعملية تحقيبية شاملة في بنية الأحلام وتصورات الأمم والشعوب لها، وكأن فرويد أراد أن يعبر إلى ذاكرة الإنسان وما تخبئه على امتداد تاريخه منذ أن غدا يعطي اعتبارات أسطورية للأحلام ومفاعيلها على الواقع، أراد فرويد أن يعبر إلى عمق هذه الذاكرة السحيقة لكي يبين أن الإنسان يمرض بسبب تلك الذاكرة وأن الواقع هو الذي يتحول بقوى العقل الباطن إلى واقع مموه داخل الأحلام، وأن الأحلام في بنيتها الرمزية كانت تأتي بصيغة وتعني شيئاً آخر كاستعارة صورية بليغة ومشوهة. حقب فرويد في كتب الأحلام المراحل التي حاولت أن تفسر الأحلام من أرطيمدروس وحتى بورداخ، وقد وجد أن الأحلام تستمد مادتها من خلال الطفولة، وأن الأحلام عبارة عن تحقيق لرغبة مقموعة أو مضمرة. من ضمن الأحلام التي رصدها فرويد ما يسميه الأحلام النمطية وسماها بذلك لأنها تتكرر عند معظم البشر غالباً وهي كالتالي: أحلام الارتباك من العري، أحلام موت الأحياء، أحلام الاختبار البكالوريا أو الجامعة وهذا قد لاحظه تلميذه شتيكل، أحلام الطيران، أحلام السقوط، وأحلام الكوابيس. وقد لاحظ أن كثيراً من تلك الأحلام النمطية في تكررها عند الإنسان لها ملابسات داخلية تتعلق بالحالة النفسية للحالم وملابسات خارجية تتعلق بما يحيط بالحالم أثناء النوم يسميها فرويد «المنبهات الحسية الداخلية والمنبهات الحسية الخارجية»: منبهات حسية خارجية (موضوعية)، منبهات حسية داخلية (ذاتية)، منبهات جسمية باطنية عضوية، مصادر نفسية خالصة للتنبيه. ويضع فرويد عدة آليات يوضح فيها طريقة عمل الحلم: التصوير Figuration وهو تحويل فكرة الحلم إلى صورة يرى الحالم رغباته وهي تتحقق، والتكثيف Condensation وهو تمثل عدة صور في صورة واحدة أو عدة أشخاص في صورة واحدة، والإزاحة Deplacement وهي تضخيم فكرة الحلم بعيداً عن الفكرة الكامنة التي يسعى الحلم إلى إظهارها وقد يكون هذا التمثل تفصيلاً من تفاصيل الحلم، وأخيراً الترميز Symbolisation. المعروف أن ابن سيرين لديه كتاب كبير حول تفسير الأحلام والأرجح كما يرى عالم الاجتماع علي الوردي أنه منسوب إليه، ولم يكن من تأليفه فقد كانت لدى ابن سيرين وغيره تبصرات عميقة بالأحلام كما كانت لدى ارطميدروس، فكتاب ابن سيرين لا يختلف عن كتاب أرطيميدروس في طريقة تناوله للأحلام لذلك لا غضاضة على فرويد إذا لم يكن على اطلاع على كتاب ابن سيرين الآنف الذكر أما ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع في مقدمته صنف تفسير الأحلام بعلم تعبير الرؤيا وهو يراه من العلوم الشرعية التي حدثت في الملة، واستشهد بأحاديث ومأثورات دينية حولها. منذ القواعد الكلاسيكية التي وضعها أرسطو يعتبر فرويد مبتكراً لقواعد منهجية تجعل منه متناً أساسياً لا يُستغنى عنه عند الحديث عن ظاهرة الحلم والذاكرة بلا استثناء. يقول كارل يونغ في حق فرويد في كتابه الأحلام ترجمة محمود منقذ الهاشمي «إن مكتشفات فرويد هي المحاولة الأولى الناجحة لدى الممارسة للعثور على دلالتها الحقيقية. ويستحق عمله مصطلح «العلمي»؛ لأنه أنشأ تقنية يؤكد لا هو وحده بل كذلك باحثون آخرون كثيرون أنها تحقق غرضها، وهو فهم معنى الحلم، ولا يتماثل هذا المعنى مع المعاني المتشظية التي يوحي بها محتوى الحلم الظاهر». يقول بول ريكور في كتابه (في التفسير محاولة في فرويد) ترجمة وجيه أسعد: ليس الحلم هو الذي يكون موضوع تأويل وإنما نص الحلم كما يروى. إن المحلل يهدف إلى أن يضع مكان هذا النص نصاً آخر، وهكذا فإنه ينقل المعنى إلى معنى آخر. معظم التقنيات المستخدمة في تفسير الأحلام ودراستها تتكئ على ذكريات الحالم والتداعيات حيث تكون مفتاحاً لتفسير تلك الأحلام الغامضة، فالمحلل النفسي الذي يريد أن يفسر الأحلام أشبه بالسارد القاص أو الروائي الذي يجمع مادته الأولية من ثيمة الذكريات لدى الحالم حتى يصل إلى تحليل منطقي للحلم المتشظي أو المرمز. تفسير الأحلام سيغموند فرويد عبدالله الهميلي