من الشائع أن سيغموند فرويد رشح 12 مرة لحيازة جائزة نوبل الطب. ولكنه لم يفز بالجائزة. وخلص الى أنها لا تتفق وطريقة عيشه. والحق ان ما يغيب عن كُثر هو أن فرويد رشح الى جائزة نوبل الآداب، ووُصف بالروائي"ما بعد الحداثوي"، وقيل أنه تحرر من قيود الواقع ورسم معالم واقعه الخاص. وفي 1904، زار فرويد موقع الاكروبوليس الاثري بأثينا. وعلى رغم معرفته بتاريخ هذا الموقع منذ كان على مقاعد الدراسة، أصابت الدهشة فرويد وقال:"هكذا إذاً، كل هذه الاشياء موجودة فعلاً، على نحو ما درسنا في المدرسة". ولم ينس فرويد ما شعر به عند رؤيته الاكروبوليس. فبعد 32 عاماً على هذه الحادثة، كتب مقالة وسمها ب"اضطراب الذاكرة في الاكروبوليس"، تناول فيها زيارته هذه، وحاول تفسير ما شعر به. وعزا فرويد شعوره أن الواقع وهم الى قطعه شوطاً كبيراً في الحياة، وإسهامه الكبير في علم النفس وسفره لزيارة الاكروبوليس. فهو تجاوز والده، وتخطاه. وهذا التجاوز هو وراء ارتكاسه النفسي، وشعوره ان الواقع متوهم. وتناولت سلسلة كبيرة من المقالات المطولة مقالة فرويد هذه. وفي 2003، وضع ريستو فرايد، وهو محلل نفسي وكبير المحاضرين في جامعة جيفاسكيلا الفنلندية، كتاباً عن المقالة. وخلص فرايد في كتاب من 657 صفحة الى أن مقالة فرويد عن الاكروبوليس هي تحفة أدبية، وقرينة على أن فرويد أجاد أصول الخطابة التي وضعها كانتيلين في القرن الاول الميلادي. وهذه المقالة هي رسالة وجهها فرويد، في 15 كانون الثاني يناير 1936، الى رومان رولان، حائز جائزة نوبل الآداب في 1916. وفي 1993، نشر هنري ومادلين فيرموريل رسائل منتقاة من مراسلات رولان وفرويد. فخرجت الى العلن رسالة شكر أرسلها رولان الى فرويد على مقالته هذه. وقارئ الرسالة المقتضبة قد يحسب أن المقالة لم ترق رولان. ولكن هذا وجه رسالة الى الاكاديمية السويدية، بعد خمسة أيام على تلقيه مقالة الاكروبوليس، اقترح فيها ترشيح فرويد لجائزة نوبل الآداب. وبحسب رولان، فتحت أعمال فرويد في علم النفس آفاقاً جديدة أمام تفسير الحياة الانفعالية والثقافية وفهمها. وخلفت أعماله أثراً كبيراً في الاعمال الادبية في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وفي 2001، نشرت أكاديمية نوبل نص رفضها ترشيح فرويد الى نوبل الآداب. وفي ذلك الوقت، رأت الاكاديمية ان السلطات الطبية هي المخولة تكريم فرويد وتقويم أعماله وأساليبه العلاجية. واقر القائمون على الاكاديمية يومها أن الطعن في ترشيح فرويد الى جائزة نوبل الآداب أمر عسير. ويكاد أسلوب فرويد الادبي يبلغ الكمال الناجز، إذا طُرح كتاب"تفسير الاحلام"من هذا التقويم. ففي هذا الكتاب، بحسب اكاديمية نوبل، يبدو كلام فرويد في معرض تحليله الاحلام مبهماً. ففي سعيه الى تفسير فوضى الحلم، تخفف فرويد من مرونة أسلوبه الأدبي، وفصّل الجمل الادبية على قياس نظام تفسير الأحلام. والحق أن أسلوب فرويد في"تفسير الأحلام"آلي، ويقرب من الفظاظة. فهو استخدم لغة رمزية بسيطة وغير منمقة تدور على الأعضاء الجنسية. وقوض فرويد غنى رؤى الحالم، وأحالها الى لغة مسطحة تحاكي الأشكال الجنسية. وزعم القائمون على الأكاديمية السويدية أن عقدة أوديب استحوذت على تفكير فرويد، وقوض استحواذها أسلوبه العلاجي الذي يتوسل الاعتراف والبوح"لتطهير"اللاوعي. وخلصت الاكاديمية السويدية، في 1936، الى أن من نشر الفساد في الأوساط الادبية، وأثر سلباً في صغار الأدباء، لا يستحق التكريم. عن نيلس ويكلاوند،"ليه تان مودرن"الفرنسية، 7/2007