مما لاشك فيه بأنه كان هناك الأثر البالغ في الاستجابة لكل ما أحدثته المتغيرات في العقود الأخيرة بشأن كل ما يتعلق بالشأن الاتصالي والناجم عن ثورة العولمة التي أتاحت لسريان الرسائل الدولية باختلاف أشكالها أن تشق طريقها دون حواجز وعبورها الحدود بلا نقطة توقف، يتجلى هذا الأثر في ردود الأفعال الطبيعية لكل المنظمات الدولية أيا كانت مرجعيتها تجاه هذا الشكل الجديد من التواصل العالمي وتوظيفها لكافة الأدوات الممكنة من أجل خدمة رسالتها. من المعلوم أن الاتصال الدولي يتأتى بصور مختلفة، ويعد الإعلام أحد عناصره البارزة لما له من بالغ التأثير نظير إمكانية تعرض كم هائل من الجماهير لهذا الوسيط وما يبثه وعبر ظرف زمني قصير ومحدود، ولكن ما يغيب عن البعض أن الإعلام لا يمكن باعتباره اللاعب الوحيد في المنظومة الاتصالية داخل أي دولة أو منظمة، حيث إن هناك أنشطة أخرى لا يمكن تجاهل قيمتها ودورها المنوط في مقدرتها على تعزيز قوة الأجهزة الإعلامية ومضاعفة تأثيرها، وتبرز هذه الأنشطة والجهود تحت مظلة الدبلوماسية العامة التي تهدف للتعريف الحقيقي بوضع الدول والشعوب وسياساتها. كذلك، إن الإعلام لوحده دون وجود دعائم تعزز من حضوره لا يستطيع بأي حال تحقيق التطلعات المنشودة، حيث إنه من الصعب تقديم رسائل اتصالية بغير وجود منتجات متوفرة باستطاعتها أن تنطلق منها كأرضية خصبة. وتتمثل تلك المنتجات عبر حجم ونوعية الأحداث في مختلف المجالات التي تتم داخل كل دولة والإسهامات التي تقودها الحكومات على الصعيد الدولي، إن توظيف تلك الأحداث عبر خلق الخط الفعال للاتصال مع شعوب العالم والقدرة على تضمينها برسائل تعكس الهوية، يحفز بشكل كبير الإعلام الخارجي للدول لتكثيف الوصول وكذلك مضاعفة الفرصة في التأثير على الأجندات المطروحة في الإعلام الدولي تجاه قضايا الدول. يداوم البعض على نغمة الهجوم على الإعلام الخارجي للدولة، باعتبار القصور الناتج عبر مسألة الرد على كافة ما يطرح بوسائل الإعلام الدولي وما تبثه من محتويات مغرضة أو حتى انتقادات. من الواجب معرفته، إن مهمة الإعلام لا تكمن فقط في جزئية الرد على كل شاردة وواردة بل إن هناك أدوارا أعمق من فكرة الشد والجذب مع الرسائل المعادية إذا ما أخذنا بالاعتبار استحالة تصور فكرة توقف تلك الوسائل عن عملها وعن الأيديولوجيات المتمسكة بها من مناظير ثقافية مختلفة. أخيرا، وسط هذا الفضاء الاتصالي الرحب وبما يسعه من جهود وبرامج مختلفة يمكن للدول القيام بها، ووسط هذا التنافس المحتدم في وسائل الإعلام باعتباره مجرد أداة ضمن أدوات أخرى. يمكن القول إن تكاملية الجهود تبرز ضرورتها بعد التسليم بأهمية كل الأنشطة الاتصالية، حينها لن يغرد الإعلام وحيدا خارج السرب بل يتعاظم دوره الفعال نتيجة توفر البيئة الاحترافية والعمل المتناغم لتحقيق ما من شأنه أن يعزز فكرة الوصول ثم التأثير.