إن الدعوة إلى التفاوض معهم كما تروج وسائل الإعلام الأميركية المحسوبة على الرئيس الجديد، تعدّ خطأً استراتيجيًا، فهناك فرق كبير بين تفاوض مع جماعة تعترف بالدولة وتحترم سيادتها، وتفاوض مع ميليشيا مسلحة ارتكبت كلَّ الموبقات ضد الدولة والشعب.. ما يحدث مؤخرًا من دعوات للتفاوض مع المتمردين الحوثيين من قبل القوى الدولية المعنية بالملف اليمني لا يعدو مناوراتٍ لا لتجسير الأزمة، بل لإطالتها، واستنزاف قوى التحالف في مفاوضات لا طائل من ورائها، مفاوضات تستلهم عقلية حائك السجاد الإيراني ذي النفس الطويل، يشير إلى تلك العقلية أحد الكتاب بقوله: "الذين اقتربوا من الشعب الإيراني، يعرفون أنه شعب طويل النفس، طويل الأناة، طويل الصبر.. ولذلك فإنهم ما زالوا في طليعة من تبقى من الشعوب التي تحوك السجاد اليدوي، وربما ستكون آخر سجادة تحاك يدويًا في العالم، هي السجادة الإيرانية، هذه العقلية هي التي فاوضت الغرب، طيلة السنوات المنصرمة على ملف إيران النووي، فيما اشتهر باسم مفاوضات 5+1"، وهذا يعني خمسة مفاوضين من الدول العظمى مقابل مفاوض واحد، هو الإيراني حائك السجاد ذو النفس الطويل، فلا هو أدار ظهره للخمسة، ولا قطع الخيط معهم، فلقد روّض الحائك المفاوضين الخمسة، وهذه العقلية هي التي تحرّك بها عملاءها وتتفاوض عبرهم في مشروعاتها العدوانية. في مناورات المتمردين الحوثيين تبدو سياسة النفس الطويل من خلال أصابع حائك السجادة الولي السفيه، الذي يُمسك بها هو ورجاله المقربون وقادة الحرس الثوري من جهة، ويمسك بجهتها الأخرى المتمردون الذين ينعمون بتمويل بالغ السخاء -نظير إجرامهم وعمالتهم وخيانتهم لأوطانهم- كحزب الشيطان في لبنان الذي يمسك بمفاصل الدولة اللبنانية فلا قرار إلا قراره، وجماعة من خان الله في اليمن، والميليشيات المتعددة في العراق وسورية، كل هؤلاء الخونة يعملون من أجل الولي السفيه الذي ينزع إلى سيطرة الأقليات في البلاد العربية لتكون مستعمراتٍ يحكمها عملاؤه. إن الدعوة إلى التفاوض معهم كما تروج وسائل الإعلام الأميركية المحسوبة على الرئيس الجديد، تعدّ خطأً استراتيجيًا، فهناك فرق كبير بين تفاوض مع جماعة تعترف بالدولة وتحترم سيادتها، وتفاوض مع ميليشيا مسلحة ارتكبت كلَّ الموبقات ضد الدولة والشعب، ميليشيا تستخدم التفاوض عنصرَ ضغط لحمل الحكومة الشرعية على التنازل لها عما تريد، دون أيّ استعداد للتنازل من جانبها عن أسلحتها الثقيلة، والانسحاب من المدن، والإفراج عن المعتقلين والرهائن! ميليشيا لم تقبل بالتفاوض إلا للمساومة على نصيبها في الحكومة، ومتى أعطيت ما تريد، فإنه ما من ضمان لعدم انقلابها عمّا وافقت عليه -كدأب المجوس ومن هم على شاكلتهم- إذ قد تطلب أبعد مما وافقت عليه، كتقاسم المدن، أو الاحتفاظ بالأسلحة المنهوبة من الدولة. فهي في كل ما تفعله تترسم خطى حزب الشيطان، في انقلابه على الدولة اللبنانية حدّ الحيلولة دون تعيين رئيس للبلاد ورؤساء حكومات ووزراء فلقد بات الحاكم بأمر الولي السفيه في لبنان، بل المندوب السامي المجوسي فيه. فالخداع والغدر مفصلان مهمان من مفاصل عقيدتهم. إنَّ ما يعجز عن فهمه الحوثيون وأسيادهم وبعض العرب المستعربة، هو أن بلادنا -التي ليس لها مطامع في اليمن على عكس ما يزعم الملالي وحلفاؤهم- لن تسمح بأن يتحول شمال اليمن إلى ضاحية جنوبية في اليمن على غرار ضاحية حسن نصر الشيطان في جنوبلبنان، ليختطفوا الدولة ويبعدوها عن محيطها العربي، لكي تكون ولاية تابعة للولي السفيه، ألم يقل أحد معمميهم: "لنا أذرعنا الموزعة من البحر المتوسط حتى باب المندب" فهل (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ)؟ أم أنها أصبحت حقيقة واقعة خصوصًا مع ما يبدو من الإدارة الأميركية الجديدة ودول الغرب من تنازلات لهم في الملف النووي، دون مقاربة ما يفعلونه في اليمن وباقي الدول العربية!! إنّ مما زاد الحوثيين تصلبًا وشدة يقينهم وسادتهم أن الإرادة الدولية وخصوصًا الدول الأوروبية التي تحركها مصالحها الضيقة، عاجزة عن التلويح باستخدام القوة (بموجب البند السابع). ما شجعهم على الاستمرار واستمراء ما هم فيه من تعنت وفجور وممارسة السبع الموبقات في اليمن دون أن يرفَّ جفن القوى الكبرى، التي لا ترى العود في عيون الحوثيين وترى القذى في عيون قوى التحالف، فعندما يتحدثون عن أزمة اليمن لا ينظرون لما ترتكبه تلك الميليشيات من انتهاكات صارخة في اليمن ضد الدولة برمتها، فمن الذي يقتل هنالك ومن الذي يعتدي على النسوة ومن الذي يجند الأطفال ويخرجهم من مدارسهم، بل من الذي ينهب الإعانات الدولية ويبيعها لأهل اليمن، ومن يزرع الألغام هنالك؟ كل هذه الانتهاكات لا يراها زعماء دول الغرب الذين اعتادوا الكيل بمكيالين، وقياس كل الأمور حسب مصالحهم ومكاسبهم منها. كذلك الموفدون إلى اليمن منذ بدء الأزمة، والعاملون في منظمات حقوق الإنسان فقد ثبت أنهم (المندوبون والعاملون) يتقاضون رشىً لقاء صمتهم وعدم كشفهم عمّا يحدث في اليمن، فصمتهم بأثمان باهضة يدفعها لهم من يريدون إطالة أمد الأزمة. إن إدارة الأممالمتحدة للأزمات العربية، لا سيما في سورية واليمن، تؤكد بما لا مجال للشك فيه، أنها ومبعوثيها باتوا جزءًا من تعقيد الأزمات، وإطالة أمدها، فكيف يُراد لنا أن نصدق أنهم يسعون إلى الحل، وليس فشل مبعوثيها السابقين في سورية واليمن وليبيا عنا ببعيد، مع استمتاعهم بأموال وطائرات خاصة وميزات لن يحصلوا عليها إلا من هذه الوظيفة، لذا فليس من مصلحتهم أن تنتهي الأزمة، ولعنا ما زلنا نتذكر المبعوث الدولي السابق إلى اليمن جمال بن عمر الذي بقي نحو خمس سنوات يخوض في تفاصيل الأزمة اليمنية، لكنه انتهى إلى فشل ذريع، وكان يتفاوض مع الحوثيين في صعدة، بل غطّى على سقوط صنعاء بجرّ القوى السياسية إلى التوقيع على وثيقة صاغها مع الحوثيين. ومثله إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذي عقد جملة من تفاهمات واتفاقيات لم تصمد طويلًا، ولعلنا ما زلنا نذكر انتقاده إرسال دول التحالف تعزيزاتٍ عسكريةً إلى اليمن بقوله: إنّ "اليمن يحتاج إلى مساعدة للخروج من الأزمة لا إرسال مزيد من القوات"، متجاهلًا التصعيد من قبل الانقلابيين، وشحنات الأسلحة التي كانت ترسلها دولة الملالي إليهم عبر العملاء الإقليميين. ولم يكن المندوب الأممي البريطاني مارتن غريفيث بأفضل حالٍ من سابقيه، فطموحه بالتكسب من موقعه لم يعد خافيًا، وأكبر دليل على إخفاقه يبدو في عدم إجبار الحوثيين على إيجاد حل للناقلة صافر التي تنذر بكارثة بيئية في البحر الأحمر، فقد صرح في مجلس الأمن قائلا: رغم موافقة الحوثيين مرارًا وتكرارًا من حيث المبدأ على مساعدة الأممالمتحدة للتخفيف من آثار تسرب الناقلة صافر فقد أثبتوا أنهم غير مستعدين للمضي في ذلك!! ختامًا سيدرك العالم كلُّه، وسيسجل التاريخ، أنّ بلادنا ودول التحالف كُتب عليهم القتال في اليمن وهو كرهٌ لهم.