لكل أمة تراثها الذي تفاخر به، وميراثها الفكري، والثقافي، والعلمي، والفلسفي والديني، والحضاري الذي تنافح عنه، وتجادل، وتصول على كل معتدٍ، وناقد له. والأمم الوليدة التي لا تاريخ لها تفتعل تاريخاً، وإن كان مزيفاً، أو من خيال كاتبٍ مأجور. وعادة هذه الأمم الوليدة حتى تعزز مصداقيتها في هذا التاريخ المزيف، تذهب إلى أقرب تراثٍ، وحضارة وتتبناه، وتدافع عنه بكل ما أوتيت من قوة، حتى كأنها حقيقة مشهورة، فتصدق هي ما انتحلته من تراثٍ، وحضارة. لا توجد أمة إلا وتسعى بدافعها الإنساني، الفطري لإيجاد تراثٍ، وحضارةٍ -وإن كان محض أوهام-، أو تبنٍ لتراثٍ سابق لم يعد له وجود، أو ذكر. فما التراث الذي تسعى الأمم للتوشح به، حتى ولو اضطر بعضها للانتحال، والسطو على تراث الآخرين. يمكن القول بأن التراث هو تلك الآراء، والأفكار، والحركات العلمية الثقافية، التي تمتد من الماضي إلى الحاضر، محددة في كثير من الأحوال المستقبل. ونحن المسلمين لدينا تراث إسلامي هائل حقيقي، لا ينكره إلا جاحد، ولا يخفى إلا على جاهل، ومع ذلك لم نحسن -للأسف- في كثير من الأوقات الاستفادة منه؛ لا سيما في الأزمنة المتأخرة. والتراث الإسلامي متنوع الطرق، والسبل. فهناك التراث الثقافي، الموجود في القرآن العظيم، والحديث النبوي الشريف، وأقوال الصحابة، واجتهادات الأئمة المتقدمين. وهناك التراث السياسي العسكري، والمتمثل في القدرة على مواجهة أعتى الجيوش بحنكة، ومهارة منقطعة النظير، وما خطط عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد-رضي الله عنهما- غائبة عن أذهان، ووجدان المسلمين. وهناك التراث العلمي الطبيعي، الكائن في الاختراعات العلمية، والنظريات المعرفية التي أبهرت العالم، ويمّمت الأنظار إلى التراث الإسلامي، وما نظريات الخوارزمي الرياضية، و»قُمْرَة» الحسن بن الهيثم، ونظرة ابن خلدون الاجتماعية؛ إلا امتداد لهذا التراث الإسلامي المتأصل. فالذي ينبغي أن يعلم، ويركز عليه في واقعنا المعاصر، هو أن معرفة التراث، وفهمه هي السبيل الأمثل لتجاوز عقبات الحاضر، واستشراف المستقبل.