لا بد من توضيح باختصار ما حدث يوم الأربعاء الموافق السادس من يناير 2021 في العاصمة الأميركية واشنطن عندما اقتحم عدد من أنصار الرئيس دونالد ترمب مبنى الكونغرس واشتبكوا مع قوات الأمن هناك. ذكرت تغريدة من أحد الأشخاص أن هذه أول مرة يحدث فيها اعتداء على مبنى مجلسي الشيوخ والنواب منذ أن قصفت القوات البريطانية هذا المبنى في يوم 24 أغسطس من عام 1814 أثناء معركة لاندسبيرج، معنى هذا أن هذا اليوم هو مشهود في تاريخ أميركا وسيظل محفوراً في ذاكرة الأميركيين لفترة طويلة. وعلى الرغم من أن المحتجين لم يطرحوا أسباب احتجاجهم إلا أنه يمكن الاستنتاج بديهياً من أنهم كانوا يحاولون وقف عملية التصويت في مجلس النواب ومجلس الشيوخ للتصديق على انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستعلن جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. هناك رأي آخر بأنهم كانوا يحاولون الضغط على الأعضاء الجمهوريين ودفعهم لعدم الموافقة على نتائج الانتخابات. هناك عدة حقائق لابد من شرحها، أولاً أن الرئيس ترمب كان في حال غضب عارمة إلى الدرجة التي جعلته يكتب تغريدة يوبخ فيها وبعنف نائبه مايك بينس وذكر فيها أنه بإمكانه وقف عملية التصويت لصالح بايدن، هذا أول خطأ ارتكب في هذا اليوم العصيب كان بالإمكان أن يعتذر بينس عن ترؤس جلسة مجلس الشيوخ نظراً لحساسية الأمر بالنسبة للرئيس ترمب وكان من الممكن أن يحل محله أكثر الأعضاء قدماً في عضوية مجلس الشيوخ عن حزب الأغلبية وفي هذه الحالة كان من المفترض أن يتولى السناتور الجمهوري شارلز جراسلي عن ولاية أيوا رئاسة جلسة مجلس الشيوخ. الأمر الآخر أن هناك عدداً من النواب والشيوخ الجمهوريين كانوا ومازالوا لا يريدون تحدي نتائج الانتخابات. لماذا؟ لأن هناك انشقاقاً داخل الحزب الجمهوري ما بين مؤيد ومعارض للرئيس ترمب. أيضاً المنافسة التاريخية التقليدية ما بين أنصار أسرة بوش التي انتجت رئيسين والزعامة الحالية للرئيس دونالد ترمب. لا يمكن إنكار أن هناك عدداً ليس بقليل من أعضاء الكونغرس الأميركي من مؤيدين للرئيسين بوش وليس للرئيس دونالد ترمب. الأمر الآخر أن الجمهوريين الموافقين على التصديق على بايدن رئيساً يريدون إنهاء المعركة الانتخابية التي أخذت وقتاً طويلاً واستنزفت طاقة ومجهود الملايين من الأميركيين. لذا، بالإمكان تفسير ما يحدث على أنها محاولة من أنصار ترمب داخل الحزب الجمهوري لفرض وحدة الحزب التي تراها قاعدة انتخابية عريضة غير مخلصة للرئيس ترمب. النتيجة التي كانت متوقعة حدثت. تمت الموافقة على انتخاب المندوبين الذين هم أعضاء المجمع الانتخابي لهذا العام على الرغم من أعمال العنف التي شهدتها مقار الكونغرس الأميركي. الأمور بدأت تهدأ بعض الشيء داخل العاصمة الأميركية لكن المعركة محتدمة وأكثر سخونة على مواقع التواصل الاجتماعي. فقد ذكر تعليق بأن اليسار الأميركي في العام الماضي قام بتظاهرات على مقربة من حرم البيت الأبيض أشعل فيها المتظاهرون الحرائق وأزاحوا التماثيل وحطموا الممتلكات واستمرت حالة العنف لعدة أيام ولم ينتقد أحد من الإعلام الأميركي هذه المشاهد العنيفة بل إن الرئيس السابق باراك أوباما أعلن تأييده لتلك التظاهرات العنيفة. وقد ذكرت تغريدة من أحد أنصار ترمب أن من اقتحم مبنى الكونغرس هم أعضاء مدسوسون من الجماعة اليسارية المتطرفة المعروفة باسم "انتيفاه" وأنهم هم الذين حولوا تظاهرات حاشدة سلمية إلى تظاهرات غير سلمية وأعمال شغب. هناك من يدافع عن الرئيس ترمب ويرى أنه حاول احتواء العنف فور حدوثه وأشاد بمجهود الحرس الخاص المكلف بحماية مبنى الكونغرس وطالب المتظاهرين بالابتعاد عن هذا المبنى العريق. لكن القضية هي أن أحداث اليوم ستبقى خاضعة لتفسيرات عدة تتعدى مساحة الحادث نفسه، وسيحاول العديد من خصوم الرئيس ترمب استخدامها لجعلها شهادة على فشل حقبته الرئاسية. مازالت أميركا منقسمة على نفسها والاعتداء على مبنى الكونغرس سيزيد من حالة الانشقاق في المجتمع الأميركي إلى درجة لا تحمد عقباها.