العالم الأميركي توماس آدامز قدم مقترحاً لشركات الأغذية في منتصف القرن التاسع عشر، عبارة عن تصنيع منتج غذائي يقوم المستهلك بمضغه والتلذذ بطعمه أكبر وقت ممكن دون ابتلاعه ثم التخلص منه، اُستقبل اقتراحه بالاستهزاء قبل الرفض، لم تُثبط عزيمة "آدامز" حتى نفذ فكرته على نفقته الخاصة، فكان ذلك بداية ظهور ال"علكة" في عالمنا، منتج مستديم وثروة طائلة! مثل هذا المنتج كان إحدى الطفرات الابتكارية - ومثله الكثير - في حقبٍ وفترات سابقة من تاريخنا، ولأن زمننا المتسارع وثورتنا الصناعية الرابعة تحاصر أبواب ونوافذ "مستقبلنا"؛ فقد غدت الأفكار المبتكرة في عصرنا الحديث ضرورة "قصوى" لا مجرد ترف فكري، إذ أصبحت مهارات الابتكار محرك النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة الأول. واجنر، وسميث في كتابهما "إعداد طلاب عصر الابتكار.. تعليم قائم على المهارات لا المحاضرات" يريان أن الهدف الأساسي للتعليم هو تعريض الطلاب لمجموعة واسعة من الحرف والأنشطة، لمساعدتهم في تحديد شغفهم، فشغف الأطفال بالحيوانات، أو الرياضة، أو بناء الأشياء، أو الرسم، أو الغناء، أو طرح الأسئلة، أو جمع العملات.. غالباً ما يتبدد إذا لم يتحول إلى "مهارات" وكفاءات تدوم مدى الحياة. وهذا بالضبط، هو دور التعليم والمؤسسات التربوية، لنقولب التساؤل بهل يمكن أن يتحول الشغف بالرياضيات إلى خبرة في مجال الإحصاء؟ وهل يمكن لمحب الرسم أن يصبح مهندساً معمارياً موهوباً؟ وهل يمكن أن يتطور حب تركيب الأشياء لأن يصبح حباً للهندسة؟ وهل حب طرح الأسئلة يمكن أن يُلهم طفلاً ليصبح معلماً أو محامياً؟ أو حتى يمكن ل"إدمان" ألعاب الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي أن يؤدي إلى خبرةٍ في مجال برمجة الكمبيوتر؟! "الابتكار" في العقود الأخيرة أصبح عاملاً أساسياً في الحفاظ على القدرة "التنافسية"، وفي بعث حياة جديدة في الأسواق الراكدة وتحسين قدرة أي مؤسسة على التكيّف مع البيئات المتغيرة للمحافظة على بقائها، ويرى مؤلف الإدارة والأعمال الأميركي دانييل بينك في كتابه "عقل جديد كامل: لماذا سيحكم المبدعون المستقبل"، أن هناك ثلاثة عوامل أدت إلى ارتفاع شأن الابتكار في العصر الحالي، الأول: توافر العمالة الرخيصة ومزاحمتها على الوظائف وإحلالها محلّ من لا يتمتع بالفكر الخلاّق المبتكر، والثاني: ازدحام الأسواق بالمنتجات، ما يقتضي وجود أفكار جديدة كشرط أساسي لإيجاد موطئ قدم في تلك الأسواق، أما الثالث: فهو "الآلة" التي تتعلم باستمرار كيفية القيام بالأعمال الروتينية غير المبتكرة! وعوداً إلى صاحبنا المبدع "توماس آدامز"، ذُكر عنه أنه فكر في تحويل تركيب "العلكة"، المستخرجة من صمغ الصنوبر إلى نوع من المطاط يصلح للاستخدام في صنع الألعاب ودمى الأطفال وعجلات الدراجات.. إلا أن تجاربه فيها لم تنجح، ولكن علكته "توتي فروتي" الشهيرة مازالت في فم العالم! ختاماً، يعوّل ويُنظر إلى المؤسسات التعليمية كونها مصانع قادرة على إنتاج "عقول جديدة كاملة" أكثر تماشياً مع متطلبات هذا العصر، بفرض "ثقافة البحث والابتكار" في مدارسها، جامعاتها، قاعاتها، وبين دفتي كتبها و"كمبيوتراتها"..!