افتتحت الأسواق تداولات الأسبوع الجاري بامتدادٍ للمكاسب في أسعار الخامات النفطية المدعومة من قبل التحسّن في ملف لقاح كورونا كذلك السياسات الإنتاجية المقيّدة ل OPEC+، حيث وصل خام الإشارة برنت في تداولات الثلاثاء إلى مستويات قريبة من 52 دولاراً، عقب تباطؤ طفيف نتيجةً لعدم اليقين جرّاء الأنباء المتداولة بشأن السلالة الجديدة للفايروس، إلا أن النزعة التصاعدية تسيطر على اتجّاه الأسعار بشكل واضح وهو المسار الأقوى المتوقّع استمراره لبقية الربعين القادمين في العام 2021. التأثير الفعلي المسيطر على أسواق النفط يظل لصالح الدعم على الرغم من التذبذب الذي قد يعاود المؤشرات أحياناً، فهي من المنظور الفنّي لا تعدو عن كونها مخاوف ارتدادية سرعان ما تمتصّها عوامل التأثير الفعلية التي تميل لصالح الدعم، الارتداد السعري لخام برنت صعوداً بما يقارب ثلاثة دولارات وصولاً إلى 51 دولاراً خلال ثلاثة أيام في تداولات الأسبوع الماضي يعكس احتواء السوق للمخاوف وعودة ثبات تأثير الدعم كموجّه فعلي للأسواق النفطية، كما أنها مستمرة في الاحتفاظ بمستوى الوضوح للربعين القادمين الأمر الذي يساعد افتراض بقاء الدعم في التوقعات المستقبلية للأسواق كونه الأوضح تأثيراً لتلك الفترة، في الوقت الراهن تستطيع معنويات الأسواق فعلياً الذهاب لما هو أبعد من مستوى ال 60 دولاراً وليست بحاجة للمزيد من الدعم وإنما الوقت ليس أكثر؛ لتنامي حجم المكاسب السعرية للخامات النفطية فالتذبذب السعري يعبّر عن حالات مؤقتة تعكس مخاوف الأسواق ولا تمثّل عوامل التأثير الفعلية. كما يؤكد مسار السوق النفطية في الوقت الراهن ثبات التوقعات من قبل المراكز والبيوت الاستشارية لمستقبل أسواق النفط وعدم تغيّرها منذ شهر ديسمبر الماضي متجهةً في مخرجاتها بوضوح نحو الدعم الذي تم التعبير عنه بمستويات سعرية جديدة غير مقيّدة بسقف محدد، لذلك لا يمكن الاعتداد بالمتغيرات المؤقتة كعوامل تأثير يمكن من خلالها رسم المسار المستقبلي للأسواق، كما يمكن التعبير عن التراجعات السعرية التي طالت أسعار الخامات النفطية مطلع الأسبوع المنصرم بامتصاص جزء من المكاسب التي حققتها الأسعار لم يصل تأثيره إلى تغيير الصورة السعرية التي تعبّر عن حقيقة الأسواق النفطية. التعبير السعري لأسواق النفط يمكن تحديد واقع السوق النفطية حالياً في صورة سعرية محددة إلا أن الأهم من تحديد ذلك هو التأكيد أن هذه الصورة لا تتسّع زمنياً لأكثر من أسبوع واحد أو أسبوعين من التداولات؛ لتنامي تأثير الدعم والتعافي ما يعني انتقالا تصاعديا مستمرا وغير مستقر للصورة السعرية، حالياً يمكن التعبير عن هذه الصورة بمستويات سعرية مرنة تدور حول (53 - 56) دولاراً وهو الارتداد القادم لمسار تأثير الدعم الحالي، بيد أنها غير مستقرة فمن المتوقّع انتقالها لمستويات سعرية أعلى خلال الفترة المقبلة، فتوصيف الانعكاس لعوامل التأثير الحالية يعبّر عن منطقتين سعريتين لخام الإشارة برنت (أدنى - أعلى) تتغير للأعلى بالتقادم الزمني. ويمكن التعبير عنها كقاع سعري مرن يدور حول (50 - 52) دولاراً للبرميل يقابلها سقف سعري غير محدد وقابل للصعود أكثر (صورة سعرية غير محددة زمنياً)، والمؤكد أنها منطقة سعرية غير مستقرّة وقابلة للتقدم كما أنها مهيأة للوصول إلى مستويات ال (60 - 70) دولاراً إن لم تطرأ تغييرات كبيرة في اتجاه عوامل التأثير الذي يعدّ مستبعداً بشكل كبير لأسباب أهمّها حاجة الاقتصادات إلى التعافي وتوجّه الدول لبذل أسباب ذلك، كذلك التقارب واستمرار توحيد الجهود ما بين كبار منتجي الخام ما يعني استمرار مسار الدعم لأسواق النفط، وتظلّ الصورة السعرية المعبّرة عن واقع السوق النفطية منطقة غير ثابتة في الغالب، إلا أنها تتيح التنبؤ بالمدى السعري القادم للأسواق من خلال قياس المدى الزمني المستهلك للتغيّر السعري في ظل عوامل التأثير المختلفة التي تخضع لعدّة اعتبارات منها حساسية الأسواق (المخاوف القائمة - المخاوف المنتهية - عوامل الثقة) والبيانات التاريخية المختصّة بطبيعة استجابة الأسواق (عوامل التأثير القائمة). وما تعكسه الأسواق النفطية حالياً هو توجّه نحو التعافي بمقدار (3 - 4) دولارات للبرميل أسبوعياً باستناد تام على عامل الدعم الأكثر ثقة للأسواق المتمثّل في السياسة الإنتاجية ل OPEC+ ثم التحسّن المستمر للطلب العالمي على النفط بفعل لقاح فايروس "كورونا" مع مخاوف ضعيفة من سلالة الفايروس الجديدة التي سرعان ما احتوتها الأسواق النفطية، كما أن البيانات التاريخية للأسواق المختصّة بعامل الاستجابة تشير إلى أن OPEC+ (سياسة الإنتاج المعتدلة) تشكّل أقوى عوامل دعم التعافي يمكن ترجمة أدائه إلى سلسلة تصاعد سعري يبلغ متوسط مداه (30 - 40) دولاراً للبرميل وأكثر من ذلك، ولا يتم تقييده غالباً بفترة زمنية محددّة لتنوّع ظروف السوق التي قد تستجد. اتجاهات التأثير في السوق حوى العام 2020 مسارين متناقضين في التأثير، الأول لصالح الضعف في ربع العام الأول وجزء من الثاني، والآخر لصالح الدعم منذ مطلع مايو الماضي إلى الآن، برزت معه آثار التحسّن والتعافي في الربع الأخير من العام المنصرم 2020م، وتوقّع استمرار ذلك خلال العام المقبل 2021 إلا أن الاختلاف ما بينهما يكمن في الظروف المحيطة بمسار التأثير، فالعام 2020م على الرغم من بدء OPEC+ تقييد الإنتاج إلا أنه اتسّم بمستوى عالٍ من الضبابية في اتجّاه تأثير الطلب العالمي على النفط نتيجةً لفايروس "كورونا"، وبالتالي صعوبة افتراض التوقعات المستقبلية للأسواق ولو للربع الواحد، بخلاف ذلك إلى حدٍ كبير النصف الأول من العام 2021 الذي ينبئ عن استحواذ OPEC+ للتأثير في مسار السوق النفطية؛ نتيجة التحسّن المستمر في ملف "كورونا"، ما يجعل التوقعات تتفاءل بمستقبل الأسواق خلال العام 2021. إلى جانب ذلك تمر الأسواق الدولية بإعادة هيكلة لعوامل التأثير واتجاهاتها المستقبلية من حيث توسيع دائرة تنظيم عمل المنتجين بالأسواق، واتبّاع السياسات الإنتاجية التي تسير عليها OPEC+، ما يعني انتقال الأسواق النفطية إلى مرحلة متقدمة من ضبط المعروض النفطي عبر تلك السياسات، والأقرب تعليلاً لاستمرار توحيد جهود جميع منتجي الخام والانضمام إلى محيط السياسات الإنتاجية التي تسير عليها OPEC+ هي النتائج الاقتصادية المجدية لمنتجي الخام ومستهلكيه والصناعة ككل، ضمن جهود تمتاز بتقليل التكاليف الخاصّة بحلول أزمات الأسواق من خلال توزيعها على المنتجين تحت إدارة السعودية مرتكز الثقة الدولية للصناعة النفطية، وهي نقلة تحوّلية في إعادة تكوين عوامل التأثير بالأسواق واتجاهاتها المستقبلية. لذلك فإن المرحلة المقبلة بمفهوم العمل الدولي الموّحد لضبط معروض الأسواق الدولية من النفط يعني تقليل المخاطر بشكل كبير وإكساب السوق مناعة ضد الانزلاقات السعرية الكبيرة لعدم وجود مسببّات ذلك عبر تغيير نمط الخلل في اتّزان الأسواق النفطية لمرحلة متقدمة أكثر كفاءة عمّا سبق، وهو التصّور الأقرب الممكن افتراضه للأسواق مستقبلاً؛ لاكتساب المنتجين القناعة بأن الأداء الجماعي هو الحلّ الأمثل للتعامل وأزمات أسواق النفط كما حدث مطلع الربع الثاني للعام 2020.