شهد الربع الأخير الجاري صعود الخامات النفطية سعرياً إلى مستويات جديدة بفعل تحسّن أداء عوامل دعم الأسواق النفطية، التغيير السعري الذي طال خام الإشارة برنت صعوداً لمستويات ال52 دولاراً بلغ مقداره قرابة ال7 دولارات ما بين نوفمبر وديسمبر الجاري، أي أن الأسواق تعيش مراحل انتقالية للأعلى بفعل تعاظم أداء عوامل التأثير (إيجاباً)، لذا فالربع الجاري – فنياً – لا يعكس مرحلة استقرار التي يمكن التعبير عنها بتذبذبات سعرية في نطاق ال 3 – 4 دولارات لكامل الربع، وإنما حالة تعافٍ مستمرة تنعكس على مؤشرات الأسعار، كما ساعد تطور الأنباء الإيجابية في لقاح "كورونا" على الثبات السعري لخام الإشارة برنت فوق مستوى ال50 دولاراً، المكسب الذي تم إضافته إلى المستوى السعري هو المكسب المعنوي لأسواق النفط بكسر الحاجز النفسي وبدء التطلّع لأدنى النطاقات السعرية المجدية للصناعة، التوصيف السعري المتوقّع للربع الأول القادم 2021م يشير إلى مناطق سعرية متقدمة عن المستويات الحالية تحكمها المستجدات القادمة في ملف لقاح "كورونا" وتراجع الطلب الموسمي كذلك قرارات OPEC+، إلا أن تحديد نطاق التذبذب السعري يحكمه على وجه التحديد مستجدات اللقاح، حيث أن تواتر المستجدات الإيجابية يعني امتصاص تأثير تراجع الطلب الموسمي والدفع بالأسعار نحو نطاقات قد تدور حول ال(65 – 75) دولاراً للربع الأول المقبل، ودون ذلك إن برزت حاجة الامتداد الزمني لخلق تأثير في الأسواق، وبشكلٍ عام لا يرجّح توجّه OPEC+ لاتخاذ أي تعديل للسياسة الإنتاجية خلال تلك الفترة، كما شكّلت الأنباء الإيجابية في ملف "كورونا" تأثيراً ساهم بوضوح في التصاعد المستمر لخام الإشارة برنت نحو مستوى ال52 دولاراً والصعود لأبعد من ذلك ما ينبئ عن استمرار وتيرة التحسّن في الأسعار بقية ديسمبر الجاري، ويظلّ الربع الأول المقبل الأهم حالياً لتوقعات أوساط الصناعة النفطية وما المتغيرات التي يمكن أن تحدث في الأسواق؟ وبمختلف التوقعات التي طٌرحت أو سيتم طرحها فإن الربع الأول غير مهيّأ لاحتواء الكثير من متغيرات التأثير التي يمكن توقّع حدوثها، فاستمرار أداء العوامل المؤثرة بالوتيرة الحالية يبقى الأقرب تصوّراً في التوقعات المفترضة مع تعاظم التأثير الإيجابي، بيدَ أن العوامل الموسمية لا يعوّل عليها كثيراً في صناعة أي تأثير فعلي أو تهدئة وتيرة التسارع التصاعدي لأسعار الخامات، لذا تضلّ الأسعار مرشّحة خلال الربع القادم لمواصلة مستويات التقدم إن لم يكن هنالك قرارٌ بتخفيف القيود على الإنتاج النفطي لدول OPEC+، وهو أمرٌ غير مرجح في الغالب قبل شهر أبريل المقبل، وبتتبّع معطيات التأثير المتوقّعة خلال العام 2021م يمكن القول بإمكانية وصول خام الإشارة برنت لمستويات عالية في العام 2021م، وبشكلٍ عام فإن العمر الزمني المفترض للعوامل المؤثرة بأسواق النفط يسهم في تكوين افتراض مساراتها المستقبلية والانعكاس الناتج على السوق النفطية والأسعار، وكيف يمكن قياس التفاعل فيما بين العوامل المؤثرة وما النطاقات السعرية الممكن تكوّنها كنتاج لأداء هذه العوامل؟ كما تظلّ عوامل التأثير الطارئة على أسواق النفط نقاط تأثير تحوّلية إما بالضعف أو القوّة وهي مراحل تغيير مفاجئة لأوساط الصناعة، وغالباً لا يتمّ افتراضها في التوقعات المستقبلية إلا إن كانت بوادرها عالية التحقق، الأمر ذاته ينطبق على لقاح "فايزر" ومسار التأثير التصاعدي إيجاباً بالتقادم الزمني، وهو الأمر المُفترض حالياً والانعكاس الإيجابي على الأسواق النفطية والأسعار. مسارات التأثير تعيش الأسواق حالياً تعافياً مستمراً يرجّح استبعاد أي حالات تراجع سعرية يمكن حدوثها، فجميع عوامل الضغط يُمكِّن توصيف حالات التأثير التي قد تشكّلها في تهدئة التصاعد السعري للخامات ليس أكثر، أي أن الأسواق النفطية منذ مطلع ديسمبر تمرّ بإعادة هيكلة لموازين العوامل المؤثرة لصالح التعافي، حيث أن تراجع التأثير السلبي في الطلب العالمي على النفط عظّم تأثير OPEC+ إيجاباً في الأسواق وبدء اتخّاذها مسار التعافي وظهور علاماته خلال ديسمبر الجاري، لذلك فتحرّك دول OPEC+ سيكون وفقاً لمؤشرات الأسواق ما ينبئ عن استمرار المنتجين في العمل بالسياسة الإنتاجية الحالية لكامل الربع الأول، قياساً بتوجّه الأسواق في تلك الفترة، وعلى الرغم من تباين توقعات أوساط الصناعة للربع الأول القادم إلا أنّها أقلّ ضبابية عن الربع الحالي في مطلعه؛ لوضوح مسار عاملي تأثير وهما السياسة الإنتاجية ل OPEC+ والطلب العالمي على النفط ما يجعل استمرار حالة التعافي هي الأقوى في النصف الأول من 2021م وصولاً إلى الثبات ضمن مستويات سعرية مهيأة لنطاقات عالية تدور حول (80 – 90) دولاراً لخام الإشارة برنت، كما يؤكد اعتلاء أسعار الخامات النفطية لمستوى ال50 دولاراً امتلاك الأسواق مناعة التراجع دون هذا السقف، ووصول آمال الأسواق نحو النطاقات السعرية المعبّرة عن الاتزّان الفعلي للأسواق (أعلى من 70 دولاراً للبرميل) التي تعدّ مجدية للصناعة، فالأسواق النفطية في الوقت الراهن تجاوزت الأسوأ وفي حالة تعبئة لقوى التعافي نحو تقليص الفجوة بين العرض والطلب وتحسّن الأسعار لأعلى من 70 دولاراً للبرميل فالنطاق السعري ما بين ال55 دولاراً وال70 دولاراً عادةً ما يكون ما بعد مساحة اتزّان الأسواق ثم الدخول لوتيرة الهدوء والمنطقة السعرية المرنة ضمن (75 – 90) دولاراً التي تعدّ قادرة على امتصاص عوامل التأثير السلبية والإيجابية دون تشكيل أي تغيير في حالة الاتزّان ويمكن التعبير عنها بنطاق سعري مرن يصل مداه إلى (15) دولاراً، فعلياً الأسواق النفطية ضمن وتيرة تصاعد نحو مسار الاتزّان مدعومة بعوامل دعم إيجابية أهمها سياسة OPEC+ الإنتاجية، ما يسرّع عملية التعافي هو تغيير مسار تأثير أحد العوامل السلبية نحو الدعم، الأمر الملموس حالياً في الطلب النفطي هو بدء تغيّر مساره من الضغط إلى الدعم؛ نتيجةً لمستجدات لقاح كورونا، فتعاضد تأثير كلٍ من السياسة الإنتاجية ل OPEC+ والطلب العالمي على النفط نحو دعم الأسواق يسرّع وتيرة التعافي والاتجاه نحو اتزّان الأسواق التي يمكن تحديد منطقتها وفقاً لسرعة التغيير الحالية في عامل الطلب على النفط الآخذ في التحسّن. إن استمرار وتيرة التعافي في ملف لقاح "كورونا" يدعم مناعة الأسواق النفطية ضد العوامل الموسمية كتراجع الطلب مما يساعد على استمرار مسار تعافي الأسعار وعدم حدوث أي ضعف فيه، الأمر الذي يسرّع قرب الأسعار من مستويات عالية كال65 – 75 دولاراً خلال الربع المقبل ولا يتم استبعاد الأمر لدلالة المؤشرات وقربها من إمكانية التحقق، لذلك فالمسارات المتوقعة للأسواق النفطية تشير إلى أن التصاعد السعري لخام الإشارة برنت يمكّن الوصول إلى نطاق (57- 60) دولاراً للبرميل بنهاية شهر ديسمبر الجاري، أما الربع الأول من العام المقبل 2021م فيعدّ امتداداً لتغيّر موازين التأثير الحالية، فاستمرار تحسّن معطيات لقاح كورونا وتصاعد التعافي يشير إلى نطاقات سعرية عالية الاحتمال تدور حول (65 – 75) دولاراً .