تتجّه أسواق النفط مدعومةً باتفاق خفض الإنتاج المُبرم بين الدول الأعضاء OPEC+ نحو نطاقات الاتزان على الرغم من وجود بعض الضغوط كالمخاوف تجاه الطلب العالمي على النفط، إلا أن آفاق التحسّن تسيطر على معنويات الأسواق والتوقعات ككل، فأوساط الصناعة النفطية تعتقد اتضاح حجم السحوبات خلال الربع الجاري والربع الأول من العام 2021م ما ينعكس إيجاباً على مسار أسعار النفط بالتحسّن. يقول محلل أسواق النفط الدكتور محمد الشطي: إن هبوط أسعار خام الإشارة برنت إلى ما دون الأربعين دولاراً للبرميل يعدّ مؤشراً لوجود بعض المخاوف داخل السوق النفطية من حدوث موجة جديدة لفيروس كورونا وبالتالي نمو أرقام الإصابات، ما يحدث نوعاً من التباطؤ في تعافي المخاوف وزوالها داخل الصناعة النفطية بشأن الطلب العالمي وتحسّن أداء الاقتصاد العالمي وينعكس هذا بطبيعة الحال على أداء أسواق الأسهم، ولهذا تقوم البيوت الاستشارية بتعديل توقعاتها لمعدل تنامي الطلب العالمي على النفط، حيث قامت سكرتارية الأوبك بخفض معدل نمو الطلب على النفط للربع الثاني من العام الجاري 2020م بمقدار 200 ألف برميل يومياً، والربع الثالث بمقدار 750 ألف برميل يومياً، والربع الأخير بمقدار 650 ألف برميل يومياً؛ لتدلل على ضعف متوقع وحاصل في وتيرة تعافي الطلب العالمي على النفط وهو بلا شك عامل ضغط على مستويات الأسعار. وتابع بقوله: لا ننسى كذلك أن قطاع التكرير مازال يعاني من بعض الخسائر في نشاطه رغم أنه يشهد تحسناً طفيفاً خلال شهر سبتمبر 2020 مقارنةً بسابقه، وقد ينعكس ذلك على تسعير شركة أرامكو السعودية على نفوطها لشهر نوفمبر من خلال رفع أسعارها بشكل طفيف أو تثبيتها من غير تغيير ومن المتوقع أن تعلن عن أسعارها خلال الأيام القادمة، أما عن المعروض فإن عودة إنتاج ليبيا للأسواق - وإن كان بأرقام متواضعة تدور حول ال300 ألف برميل يومياً حالياً مقارنة بمستوياته السابقة عند 1.1 مليون برميل يومياً، ويتابعها السوق للتعرف على مستويات الثبات الممكنة في ظل عدم الاستقرار السياسي وقدرة البلاد على رفع الإنتاج، والمحصلة أنها تعني زيادة في المعروض بالأسواق، ورغم كل هذه المستجدات إلا أن التوقعات داخل الصناعة تشير إلى أن الأسواق تتجّه بوتيرة متباطئة نحو التوازن في ضوء التزام أوبك بلس بالاتفاق لتحقيق التوازن في السوق النفطية، وستشهد السوق سحوبات خلال الربع الرابع من العام الجاري وستتضح بشكل أكبر خلال العام المقبل 2021 لينعكس تأثيرها في تعزيز مستويات الأسعار وأنها مسألة وقت لا أكثر. وأضاف الشطي: تسببّ إعصار دلتا في إغلاق 92 % من إنتاج النفط في خليج المكسيك أو 1.7 مليون برميل يومياً الأمر الذي يدعم تعافي أسعار النفط، بالإضافة إلى إضراب عمال النفط في النرويج الذي تسبب في خفض 25 % من إنتاج النفط والغاز هناك، وتحسن هوامش قطاع التكرير مع دخول المصافي برامج الصيانة ما يشجع على حدوث سحوبات في مخزون المنتجات البترولية. بين الدعم والضغط وبالعطف على ما سبق تجاذبت مؤشرات أسعار النفط خلال الأسابيع الأخيرة معطيات الأسواق التي تباينت بين الدعم والضغط، لتعاود افتتاح تداولات الأسبوع الجاري بمستويات سعرية اعتلت سقف ال40 دولاراً، فمازالت الأسواق بصدد امتصاص تأثير المعروض النفطي الليبي، الذي عاد للإنتاج عقب حالة الانقطاع التي تسببت بها حالة الاضطراب وعدم الاستقرار في البلاد، كذلك مخاوف الأسواق تجاه الطلب العالمي، فعلياً الأسواق لديها من عوامل الدعم ما يكفي - بالتقادم الزمني - لاحتواء المعروض الليبي من النفط الذي يفتقد للدقّة في قياس أرقام الإنتاج الحالية، فحركة أسعار الخام في تداولات الأسبوع الماضي شهدت نوعاً من التهدئة في المسار التصاعدي نتيجةً لذلك، بيدَ أنها مرشّحة حسب التوقعات لمواصلة ذلك المسار عقب امتصاص تأثير المعروض القادم للأسواق سواء من ليبيا أو فنزويلا. حالياً تغلب النظرة التفاؤلية أسواق النفط لبقية العام الجاري، مدعومةً بمستويات الالتزام العالية لمنتجي الخام الأعضاء، فاستمرار هذا الأداء يرشّح نمو توقعات أوساط الصناعة تجاه اتخاذ الأسعار مساراً تصاعدياً وتجاوز سقف ال50 دولاراً بقية الربع الجاري إن استمرت المعطيات الحالية دون تغيير مؤثر في الأسواق، كما أن الدور التفاعلي والمراقبة الدورية من قبل OPEC+ لحركة أسواق النفط تعززان النظرة التفاؤلية لمستقبل الأسواق، وقد لا تكون هنالك أية تغييرات في سياسة الإنتاج النفطية ل OPEC+ مطلع العام المقبل 2021م إن لم تتضافر عوامل ضغط أخرى بجانب حركة الصيانة الموسمية للمصافي، لذلك من المستبعد أن تمثّل مخاوف الطلب عامل تأثير حقيقي يمكن الاعتداد به أو الاستناد عليه لصنع السياسات الإنتاجية خصوصاً لدى الدول الأعضاء OPEC+ وإن لامس الأمر المستويات السعرية للخام بالتذبذب المؤقت كما حدث خلال تداولات النفط للأسبوع ما قبل الماضي، وبشكلٍ عام فإن الأسواق حالياً تمتلك مقومات التأثير الأقوى نحو الدعم وصعود مؤشرات الخام، وقد تعتري هذه المؤشرات في الربع الجاري والربعين القادمين من العام 2021م بعض حالات التذبذب السعري ضمن نطاقات ضيقة؛ لعدم ثبات معنويات الأسعار ولا يمكن بناء القرارات على تلك النطاقات، الأمر الذي يتعاود الأسواق بقية العام الجاري والنصف الأول من العام المقبل وفقاً لعوامل التأثير الراهنة شريطة الاستقرار وعدم حدوث اختلال في موازين العوامل المؤثرة إلى نهاية النصف القادم من 2021م، فتوقعات أوساط الصناعة تشير إلى أن الطلب العالمي سيشهد تعافياً ويعود إلى حالته كما قبل أزمة فيروس كورونا في النصف الثاني من العام المقبل. فنياً يعدّ عدم اليقين تجاه ثبات التضاد لعوامل التأثير في أسواق النفط أهم المعوقات أمام القراءة المستقبلية لتوجّه أسواق النفط (ربعين وأكثر)، يتضّح ذلك من خلال معطيات الصناعة وتوقعاتها كالمصارف والبيوت الاستشارية التي يمكن تصنيفها إلى قسمين الأول يغلب عليه الانجراف خلف مخاوف الأسواق وتبنّي توقعاتها المستقبلية وفقاً لذلك، وتقديم الكثير من الحلول التي يمكن تفسيرها كسياسات إنتاجية مقترحة أو متوقعة لمستقبل الأسواق، إلا أنه لا يمكن البناء عليها غالباً لأسباب عدّة أهمها أن تلك المقترحات تم بناؤها على مخاوف مستقبلية لا يمكن الجزم بصحّتها، كذلك كثرة المتغيرات التي تطرأ على الأسواق ما يجعلها غير مستديمة، وبإسقاطها على وضع السوق النفطية في الربع الجاري والأخير من العام فيمكن الجزم أو دونه بقليل القول بعدم قابلية تلك الحلول للتطبيق (لعدم الحاجة الملّحة) بالنظر إلى مسار الأسواق وأسعار الخام التي تتصاعد بثبات على الرغم من بطء ذلك التصاعد فوق مستويات ال40 دولاراً لخام الإشارة برنت مع وجود آفاق تعافٍ مستمرة مهما اعترضتها الضغوط المتباينة بين الفينة والأخرى، وأخرى توافق الأسواق بالكثير من الواقعية وإن غلب عليها التحفّظ إلا أنها الأقرب في موافقة ما يستجد وتقييمه، وبالتالي إيضاح ما يمكن توقعه لمسار السوق خلال ربعٍ واحد لا أكثر، لذلك فأسواق النفط دوماً ما تحتاج إلى إدارة مرنة تستطيع التعامل مع المتغيرات - إن طرأت - حسبما تقتضي الحاجة، وهو الدور ذاته الذي تقوم به منظمة OPEC مع المنتجين الحلفاء OPEC+ الذي يتمتّع بالمرونة اللازمة للتفاعل الإيجابي ومستجدات الأسواق النفطية. د. محمد الشطي