قال الله -تعالى-:«وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً». إن ديننا وسط بين الغالي فيه، والجافي عنه، كالوادي بين جبلين، والهُدى بين ضلالين، والابتعاد عن هذا المبدأ الوسطي، يعتبر افتراء على اللهِ في حكمه، واستدراكاً عليه في شرعه. ووسطية الإسلام، وسماحته لا تؤخذ من العقول البشرية، بل تؤخذ من النصوص الشرعية، قال الله -تعالى-: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ». وقال عليه الصلاة والسلام:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ، الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ) "أخرجه: ابن أبي شيبة، وأحمد ابن حنبل، وابن ماجه، والنسائي، وغيرهما". والدين الإسلامي، قائم على الوسطية، والاعتدال، ونبذ التطرف، والغلو، قال عليه الصلاة والسلام:(إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَه، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ، وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ) "أخرجه: البخاري". إنّ دين الإسلام، والمتمسكين به -بحق- براء من الانحراف عن الوسط، والذي ينصرف عن الإسلام الوسطي بغلو، أو جفاء، أو تطرف لم يتمسك بحقيقة الإسلام، وهو غير ممثل له، وإنما يمثل نفسه، والخروج عن هذه الوسطية، يؤذن بخطر محدق، وبلاء عام، وهلاك واقع، قال عليه الصلاة والسلام: (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ -قالها ثلاثاً-)" أخرجه: مسلم". فالإسلام دين محبة، ورحمة، وتسامح، وإيثار، قال -تعالى-: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ». والإسلام دين الأمن، والأمان، لا دين السيف، والدماء، قال -تعالى-:«ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ». والإسلام دين جاء بحفظ الأنفس، والدماء، والأرواح، قال عليه الصلاة والسلام: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا، أَهْوَنُ عِنْدَ اللهِ، مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) "أخرجه: ابن ماجه، والترمذي، والنسائي، وغيرهم". والإسلام دين جاء بالتعايش مع كافّة الطوائف، والملل، قال -جلت قدرته-:«لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ». والإسلام دين يدعو إلى الوحدة، والتكاتف، والألفة، وينهى عن التفرقة، قال -سبحانه-:«إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ». فاعرفوا الإسلام الوسطي، وخذوه من منابعه الصافية، وابتعدوا عن التطرف، والغلو، فإنه من رغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم فليس منه، وليس أكمل من هديه صلى الله عليه وسلم. شامي يحيى السلامي