في ليلة ربيعية ناعمة لطفتها أنسام بحر جدة العام 1430ه، رن الهاتف الجوال فرفعته بهدوء كعادتي، وإذا بصوت جهوري يقول لي: تم ترشيحك عضواً في مجلس الشورى للدورة الخامسة؛ دعوت الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وأن أكون عند حسن ظنه، وأن أقوم بالمهمة بإخلاص ووفاء، وفي اليوم الذي يليه تناقلت وسائل الإعلام أسماء المرشحين وبعد نحو أسبوع شددنا الرحال إلى الرياض لتأدية القسم، ثم انتظم المجلسُ في جلساته الأسبوعية وكنا مجموعة من جدة ومكة أكثرهم من أساتذة الجامعات الذين يعرف بعضهم بعضاً قبل التعيين، وكانت مدة الدورة أربع سنوات، نهلنا فيها نحن الأعضاء من معين المجلس وتبادلنا تجاربنا وأفكارنا ورؤانا فكانت فترة خصبة مثمرة راق تميزها وأينع غصنها، وبعد أربع سنوات عادت الحالة وتجدد التشكيل في الدورة السادسة وخرج بعض الزملاء الذين أنهوا فترتهم، وشكل خادم الحرمين الشريفين الأعضاء الجدد للدورة السادسة وكان لي الشرف أن أكون أحدهم وهذه ثقة على ثقة تستحق الثناء والاعتراف لأصحاب الفضل وهم قيادتنا الرشيدة - يحفظها الله - وبعد أربع سنوات أخرى من الخبرة والحنكة وقدح زناد الفكر والسياسة والحضارة وتلاقح الرؤى ومناقشة المشروعات الاقتصادية والثقافية والقانونية والسياسية، انتهت هذه الدورة، وشكل خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - الدورة السابعة وكنت متوجاً بشرف الاختيار الثالث وهو أقصى مدة يقضيها عضو المجلس فيه، ولكن في ليلة من ليالي رمضان المبارك العام 1439ه، أصدر خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - قراراً بتعييني نائباً لرئيس مجلس الشورى بمرتبة وزير فحمدت الله على هذا الشرف والثقة التي حملتني مسؤولية العمل بجد وإخلاص ووفاء، فانتقلت إلى الرياض بزوجتي وأبنائي مقيماً في مقر عملي وليس كالسابق أذهب وأعود أنا وكثير من الأعضاء عبر الرحلات الجوية بين جدةوالرياض، ومن خلال عملي في الشورى كنائب لرئيس المجلس، تفتحت أمامي أبواب للقاءات الرسمية سواء داخل المملكة أو خارجها، فزرت البرلمانات في أوروبا والعالم العربي، وتحدثت عن مواقف المملكة الإنسانية والسياسية والثقافية والمشروعات الاستراتيجية والتطويرية، وتحدثت عن رؤية المملكة المستقبلية 2030، ولمست الاحترام الكبير لهذه البلاد وقادتها والثناء على منهج الحكم فيها، وبعد خدمة اثني عشر عاماً تحت قبة الشورى، انتهت مهمتي ورشح زملاء آخرون استلموا الراية وهذه حال الدنيا قوم تأتي وقوم تذهب، ثم جمعت شتات أمري ولملمت ذكرياتي الجميلة في العاصمة الحبيبة وعدت أنا وعائلتي إلى جدة مرتع صباي وموطن شبابي وحينما خرجت من مطارها ألتفت لفتة طويلة إلى الشوق وإذا بي أرى لمعة برق يممت الرياض فحبست دمعة خفية أردت أن لا يراها أبنائي وزوجتي مردداً قول الشاعر: ألا أيها البرق الذي بات يعتلي ويجلو ذرى الظلماء ذكرتني نجدا ألم تر أن الليل يقصر طوله بنجد وتزداد الرياح به بردا؟ ولعلي في آخر هذا المقال أجدها فرصة أن أرفع أسمى آيات الشكر والتقدير لمقام سيدي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي العهد اللذين منحاني ثقة كبيرة أفتخر بها طوال حياتي ويفخر بها أولادي وأحفادي وجميع أقاربي وأصدقائي، وأشكر معالي رئيس المجلس الشيخ الدكتور عبدالله آل الشيخ، الذي حفني منذ دخولي المجلس بتقديره ومحبته ودفء أخوته وزاد الحسن حسناً حينما أصبحت نائباً فحضاني بنصحه وإرشاده وإخلاصه - فجزاه الله عني خير الجزاء - كما أشكر زملائي الذين قوموا كثيراً من سناد اعوجاجي ومحضوني بنصحهم ومشورتهم وأناروا لي كثيراً من الدروب في طريق العمل والإخلاص لهذا الوطن. كما أشكر معالي المساعد ومعالي الأمين العام للمجلس وجميع منتسبي الجهاز الإداري الذين كانوا لي نعم العون والسند في مسؤوليتي الإدارية والبرلمانية ودعائي خالصاً مخلصاً لوجهه تعالى أن يحفظ وطننا وقيادته وأبناءه وأن يزيد في رفعته وتوهجه ونهضته. *نائب رئيس مجلس الشورى سابقاً