أشار الروائي والقاص عبدالله الوصالي في بداية الأمسية الثقافية التي أقامها نادي الباحة الأدبي وأدارها الأستاذ هاشم الغامدي إلى أن من طبيعة الفنون والآداب الإنسانية التقاطع والتناص في عالمها الافتراضي وتداخل علاقاتها. مشيراً إلى أن القصة القصيرة والمسرح يملكان ملامح مشتركة. وأن ذلك كان من قبيل استعارة القصة القصيرة لعناصر في المسرح من أجل توصيل رسالتها الإنسانية بشكل أكثر سلاسة وجودة. مشيراًً إلى أن المحاضرة تهدف إلى الإجابة على أسئلة من قبيل ما الذي في القصة يجب مقارنته مع المسرح؟ ومتى تحاكي القصة المسرح وما الأدوات؟ وما أثر المزج بين السرد والأوضاع الدرامية؟ لماذا تتوسل القصة القصيرة التمسرح؟ وفي إيراده للتقنيات المشتركة بين المجالين، عرض الوصالي شرائح إلكترونية للتفريق بين النص المسرحي والقصة القصيرة ثم شريحة أخرى تبين الفرق بين القصة والأداء المسرحي مؤكداً أن رسم المشهد (المشهدية) في القصة والحوار هما من أهم المشتركات بين المسرح والقصة، ذلك عندما يحل البعد الدرامي المشهدي في تلك القصص محل البعد السردي الإخباري، أي توفر شحنات درامية عالية في وصف أحداث المشهد القصصي، فيبدو وكأنه حينها "يتطلع إلى حالة" مسرحية، وبالتالي يتم استحضار الأثر المسرحي لدى القارئ. عندما تمزج القصة القصيرة بين موارد الخيال السردي وموارد الدراما، فإنها تصبح نوعًا هجينًا متعدد الاستخدامات، هذا ما يدعو إلى دراسة طبيعة وأنواع التمسرح المتجسدة في القصة القصيرة وفحص طاقتها الجمالية وبين الوصالي أن أصل الاختلاف بين القصة والنص المسرحي أن هذا الأخير لا يُكتب كي يقرأه الناس كما يقرؤون الروايات والمقالات وإنما يكتب طبقاً لأصول وقواعد خاصة به كي يتسنى للمسرحيين عرضه بوسائلهم الخاصة أمام جمهور من المتفرجين. فمهما احتشد النص المسرحي بعناصر الإيضاح، ما زال في حاجة إلى عناصر التجسيد التي تجعل منه كائناً حياً له خصائص مسموعة ومرئية وجو انفعالي عام يشترك في صنعه جمهور المشاهدين. يضاف إلى ذلك أن للأداء قيمته الجمالية الخاصة. فالنص المسرحي والقصة القصيرة كلاهما نص، لكن الفارق الأساس يكمن في شمولية الشكل الدرامي للنص المسرحي، في حين أن القصة القصيرة هي نوع سردي يسمح فقط بمقاطع درامية داخله ويتم تقليل الشكل الدرامي فيها إلى الحد الأدنى. أما في الفرق بين القصة والأداء المسرحي فالاختلاف أكبر فالمسرح يتضمن وضع الأداء الدرامي اتصالًا حسيًا مباشرًا بين المؤدين والجمهور. يستلزم المشهد وجود ممثلين ينتحلون شخصيات درامية. ويشمل الأداء الدرامي الحاستين البصرية والسمعية. كما تساهم إيماءات الممثلين وحركاتهم ونغمات الأصوات والإضاءة والإعداد وغيرها من مؤثرات حية آنية في إنتاج تأثيرات عميقة ومعقدة في الجمهور المشاهد. لا يمكن تحقيق ذلك في قراءة القصة على الأقل لافتقارها لتلك الوسائل. هذه حالة مختلفة تمامًا عن تجربة القصة القصيرة في التواصل حيث وسيلتها الوحيدة هي القراءة، المستندة إلى خيال القارئ. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدراما الحية هي في الأساس نشاط جماعي ينطوي على التفاعل الثقافي والاجتماعي لمجموعة من الجهات الفاعلة مع جمهور مشاهد. كما أن تأويل النص أمر محوري في الاختلاف؛ ففي المسرح مجموعة من الممثلين والعناصر الأخرى تفسر بالأداء وبالحركة نص المسرحية لصالح الجمهور في حين تتيح طبيعة القراءة الفردية وامتدادها ميزة التأمل وبالتالي وفرة التأويل السردي القصصي المتعدد. وذكر الوصالي أن الحوار من أهم أوجه التمسرح في القصة القصيرة رغم اختلاف وظيفته في القصة عنه في المسرح فالحوار يكتب في النص المسرحي كي تقوم شخصيات العمل بتزويد الجمهور بالمعلومات اللازمة لفهم المشهد ولتوصيل مناخ الحدث ونقل المعلومات، والممثلون على الخشبة لا ينطقون الحوار أو الأحاديث نطقاً سردياً وإنما يجسدونه ويلونونه بنبراتهم من أجل إيصال مضمون النص. بينما الحوار في القصة: مكثف، ردود أفعال، معزز للمشهد. واستشهد الوصالي في ورقته بأعمال قصصية محلية وعالمية منها قصة (الصورة) لحسن حجاب الحازمي عن طقس الختان الشهير في تهامة بالمنطقة الجنوبية قديماً. وقصة عمرو العامري دعشوش، وقصة لكاثرين مانسفيلد، و دروثي باركر، جريس كارول عبر مقتطفات ترى كيف تتجسد الحالة الدرامية في داخل القصة القصيرة. وختم الأمسية مبيناً أن قوة وجمال القصة القصيرة ذات السمات الدرامية لا تقتصر في قدرتها على تقليد الدراما فقط، مما قد يعتقد البعض معه أنها ذات طبيعة فرعية أو ثانوية وأن الحالة الأساسية المثالية لها هي المسرح، بل هي تمثل تجربة مجزية للغاية لأنها تدعو القارئ لاستكشاف الحدود بين الخيال القصصي القصير والدراما.