لقد ألقت جائحة كورونا بظلالها على جميع القطاعات بلا استثناء، متجاوزةً حدود التوقعات حتى غير المتفائلة منها، وقد تأثرت معظم القطاعات سلباً، وكان القطاع الصحي والاقتصادي هما الأكثر تضرراً واللذان لا يزالان يواجهان أوضاعاً صعبة، ورغم ظهور موجة ثانية من الجائحة، إلّا أنّ التعافي الاقتصادي قد بدأ شيئاً فشيئاً مدفوعاً كذلك بقرب التوصل إلى العلاج واللقاح الخاص بالفيروس. وللتعامل مع الجائحة من الضروري أن نهتم بإعادة ترتيب الأولويات، خاصّة أنّ التوجهات الآن صارت تتنبأ باستمرار الجائحة لوقتٍ أطول؛ ما يعني ضرورة الاستعداد لها في شتى الظروف. وإذا ما نظرنا إلى العديد من استطلاعات الرأي بين الرؤساء التنفيذيين على المستويات المحلية والدولية نستطيع أنّ نرى بوضوح أنّ أولوياتهم قد تغيّرت، لتتوافق مع تغيّر أولويات المستهلكين، إلى جانب تركيزهم على استمرارية الأعمال، ما يتطلّب بالضرورة تغييرات تنظيمية تواكب متطلبات السوق. وبالنظر إلى إيجابيات الجائحة قد لا يخفى على أحد أن تسريع عملية التحول الرقمي والإحلال قد فاق التوقعات جميعها وتصدر الأولويات، إذ منحتنا هذه الجائحة فرصة ذهبية لتسريع خطوات التحول، لأنه يعدّ خطوةً مهمة لتطوير الأعمال، فقد قام 98 في المئة من الرؤساء التنفيذيين في المملكة بزيادة الاستثمارات في الحوسبة السحابية بشكلٍ كبير، ومن المتوقع أن تُسجل الاستثمارات في تقنية الذكاء الاصطناعي وأتمتة العمليات الروبوتية وتقنية الجيل الخامس زيادة كبيرة، بعد زيادة الاستثمارات في الحوسبة السحابية منذ بداية عام 2020، وهنا يمكن الإشادة بأنّ القطاع المصرفي تصدّر المشهد الاقتصادي. ومن زاوية أخرى ربما تكون جديدة أو فرضتها الأزمة أنه وعلى الرغم من الاهتمام بالجوانب العملية لدى قادة الأعمال إلّا أنّ الهدف الرئيس للأعمال صار مرتكزاً على الأهداف الإنسانية، خاصةّ مع تراجع الثقة على المستوى العالمي في مدى قدرة الحكومات على مواجهة التحديات المجتمعية بمفردها، إذ إنّ هذا يؤكد الحاجة للعمل الجماعي وامتلاك روح الفريق الواحد بين القطاعين العام والخاص بالتحديد، وهذه نقطة تستحق الوقوف عليها. وبمقارنة بعض المؤشرات المحلية بالمؤشرات العالمية من اللافت للنظر أنّ التركيز نحو الموارد البشرية في المملكة يتوافق مع التوجه العالمي نحو التركيز على الهدف الرئيس للأعمال، وما يميّز هذا المنهج بصورةٍ عامة هو ضرورة استقطاب وتوظيف الأشخاص ذوي الكفاءات والمهارات العالية بجانب تقييم أداء الموظفين، حيث جاء هذا في المرتبة الأولى في الأولويات عند الرؤساء التنفيذيين وقادة الأعمال في المملكة. وختاماً، إنَّ المجتمعات تعول كثيراً على القدرات النافذة للرؤساء التنفيذيين في قطاع الأعمال والتي ستزيد من فرص استمرارية الأعمال والتخفيف من الآثار السلبية بعد الجائحة كما أعتقد من وجهة نظري الشخصية أن الاستفادة من التجربة في التخطيط مسبقاً للأزمات هو عنوان الأعمال في المرحلة القادمة، وهو السبيل لجعل قطاع الأعمال أكثر قوة وأقل تأثراً بالأزمات غير المتوقعة. نسأل الله أن يحفظ بلادنا من كل مكروه، وأن نخرج من هذه الجائحة ونحن أكثر قوة وتماسكاً.