البحر.. أمواج متلاطمة، وسواحل مترامية، وأسرار غامضة، وصوت لا يهدأ، ويحق لنا النظر إليه والتأمل في جماله الخلاب.. وإذا تمعنا النظر على حياة البحر نجد أنها حياة زاخرة بالنشاط وكسب الرزق والكد والكرب فهي حياة تحفها المخاطر والمشاق من جميع الجوانب. وتعد مهنة الغوص من المهن الشاقة التي يتعرّض من خلالها الإنسان إلى المخاطر حيث مارس الأجداد مهنة الغوص وتعاملوا مع البحر الذي يخفي الكثير من الأسرار والكنوز الثمينة لكن بالصبر وقوّة الإرادة تمكن هؤلاء الرجال من الغوص داخل أعماقه وكسب كنوزه الثمينة. وتشتهر بلادنا الحبيبة بالكثير من المناطق التي كان الأجداد يزاولون فيها مهنة الغوص واشتهر بحارة المنطقة الشرقية والصيادون بالغوص في أعماق البحار وبالكثير من الأهازيج التي يرددونها أثناء رحلة الغوص. ويعد محار اللؤلؤ إحدى أكثر المجوهرات ندرة في الوجود، ومن الأدوات المتعارف عليها لاستخراجه: الفطام وهو عبارة عن شيء يضعه الغواص على أنفه لمنع تسرب الماء له، الخبط وهو عبارة عن قفاز مصنوع من جلد الأبقار لحماية الأيدي من القطع، الزبين وهو عبارة عن حبل يتم ربط الحصاة أو الحجارة بها من أجل النزول إلى قاع البحر، الجرار وهو حبل يتم ربط الغواص به عملا على رفعه من الماء بعد الانتهاء، الشمشول الزي المخصص بالغواصين لنزول البحر. ومن الكتب التي تعكس لنا أهمية مهنة الغوص وقصص الغواصين المثيرة مع البحر والبحارة، ومدى مشقة هذه المهنة وكيفية الغوص واستخراج اللؤلؤ، وتعريف الجيل الجديد بماضي أجدادهم الأوفياء لهذا الوطن الغالي، وكيف شدوا الرحال إلى السواحل البحرية بحثاً عن الرزق من جراء تلك المهنة لاستخراج اللؤلؤ من قاع البحر، فقد أجاد بالبحث والتقصي عن هذه المهنة الأستاذ عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي في كتابه: «النجديون وعلاقتهم بالبحر» والذي تحدث فيه عن أهمية البحر في حياة الإنسان بقوله: «البحر من أعظم آيات الله الكونية حيث جعل الله في أعماقه ما يُعد ولا يُحصى من المخلوقات والثروات، بينما يحمل على ظهره الفُلك تجري بأمره بما ينفع الناس، والبحر عالم مثير غامض مغلق بالأسرار يتناقل عنه الأجداد كثيرا من الحكايات والقصص المفرحة والمحزنة أحياناً، والبحر عندما يهيج ويزمجر وتثور أمواجه وتلتطم جوانبه يتقلب كل ما على زهره من مراكب وسفن شراعية، وتغرق معظمها، ولا ينجو ممّن على ظهرها إلا من شملته رحمة الله، فيبقى يصارع الأمواج حتى يهدأ البحر ويحظى بمن ينقذه». وتحدث أيضاً عن بعض مصطلحات الغوص الذي هو لغة: النزول تحت الماء، واصطلاحاً: في لغة أهل الخليج هو النزول إلى تحت الماء والبحث عن اللؤلؤ، وهو حرفةٌ أساسية لأهل الخليج في الماضي، ومصدر رئيس لكسب العيش، والواقع أن الغوص ليس مهنة جديدة على أهل المنطقة، فهناك شواهد وأخبار تبين أن حرفة صيد اللؤلؤ كانت معروفة منذ الأزل، وقد جاء ذكر وصف اللؤلؤ في الشعر الجاهلي وورد ذكر استخراج اللؤلؤ في الخليج في كتب الرحالة العرب، وقد ازدهرت مع بداية القرن تجارة اللؤلؤ والعمل في استخراجه، ويعد اللؤلؤ من الأحجار الكريمة النادرة التي تتميز بالصلابة والاستدارة واللمعان، ويوجد داخل الأحياء الصدفية الموجودة في أعماق البحار، ولصيقة المحار داخل الصدفة الملساء، ويفرز المحار مادة تغطي باطن الصدفة فتجعلها ملساء ناعمة مهيئة بذلك للمحار الحي. الغوص من المهن الشاقة اللؤلؤ