شهدت السادسة أعوام الماضية، ومنذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم وأصبح ملكاً للبلاد يوم 3 ربيع الآخر 1436ه الموافق 23 يناير 2015م، والمملكة تقدم جهوداً دبلوماسية سعت من خلالها إلى التوصل إلى عالم أكثر تسامحاً وسلاماً، خصوصاً في المنطقة التي لا تستريح فيها الصراعات والخلافات، وكانت وما زالت جهود المملكة في السلام والاستقرار الإقليمي والدولي والسلم المجتمعي لدول الجوار أهم مكتسبات الأعوام الخمسة الماضية، وذلك لوقوف المملكة الداعم في اليمن وسورية وليبيا والعراق ولبنان والدول الإسلامية الأخرى لعمليات السلام. المملكة أهم عنصر في استقرار المنطقة أجمعت تقارير أن المملكة كانت وما زالت تمثل رأس الحربة في الجهود الرامية إلى تحقيق أمن واستقرار ورخاء المنطقة والعالم، حيث ساهمت جهود الحكومة السعودية في ثلاثة ملفات رئيسة تمثلت في: ترسيخ السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، وقيادة الجهود العالمية في مكافحة التطرف والإرهاب، والمساهمة بشكل فاعل في تعزيز التعاون الاقتصادي. والمتابع للشأن السياسي الخارجي منذ تأسيس المملكة على يد المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن –طيب الله ثراه- ارتكزت على مبادئ أساسية تضمنت: الالتزام بقواعد القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية والثنائية واحترامها، فضلاً عن الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية من خلال الدعم المتواصل بشتى الوسائل السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، وعدم الانحياز ونبذ المحاور والأحلاف التي تخل بالأمن والسلم الدوليين، مع احترام حق الشعوب في تقرير المصير وحقوقها المشروعة في الدفاع عن النفس، إضافة إلى احترام مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة، ورفض أي محاولة للتدخل في شؤونها الداخلية، ورفض استخدام القوة والعنف وأي ممارسات تهدد السلام العالمي، أو تؤدي إلى تكريس الظلم والطغيان، والعمل من أجل السلام والعدل الدوليين، كذلك إدانة ورفض الإرهاب العالمي بأشكاله وأساليبه كافة، والتأكيد على براءة الإسلام من كل الممارسات الإرهابية. الالتزام بميثاق الأممالمتحدة ودأبت المملكة على تأكيد التزامها بالمقاصد والمبادئ الواردة في ميثاق الأممالمتحدة من خلال ما تقوم به من جهود على المستوى الدولي، من منطلق إيمانها أن تعزيز ثقافة السلام يبدأ من الفرد، ومن خلال علاقاته مع مجتمعه المحلي والدولي بوصفه مواطناً عالمياً، وبإشراك فئات المجتمع المحلي والدولي ومؤسساته جميعها. والمستعرض لما تقوم به المملكة من جهود للسلام والاستقرار الإقليمي والدولي يرى أنها قائمة أيضاً على ثلاث ركائز أساسية: (العدالة، والتنمية، وحماية حقوق الإنسان)، والتي ترجمتها المملكة على أرض الواقع من خلال (بناء المجتمع المحلي بمختلف فئاته)، ولعل أكبر شاهد على هذه الجهود رؤية المملكة 2030، التي تركز على تعزيز القدرات الوطنية وإشراك جميع فئاتها في عملية التنمية التي تتسق مع أهداف الأممالمتحدة للتنمية المستدامة، وما تبعها على المستوى الوطني من إصلاحات متعلقة بتمكين المرأة، وتنشيط دور الشباب في مسيرة المملكة التنموية، والعمل على المستوى الإقليمي والدولي من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبناء شراكات إقليمية ودولية تساهم في تحقيق الفائدة للجميع. مركز اعتدال ومركز الحوار الوطني وحوار أتباع الأديان أنشأت المملكة المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) الذي حظي بإشادة دولية، ومبادرة المملكة لتأسيس مركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب. وتسعى المملكة في الوقت نفسه لمد جسور الحوار والتواصل بين أتباع الأديان والثقافات من خلال برامج عديدة على المستوى الوطني متمثلة في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وعلى المستوى الدولي في مساهماتها في تأسيس مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات. ومن ضمن جهود المملكة في تعزيز ثقافة السلام التي ترجمتها على أرض الواقع (حلّ النزاعات الإقليمية والدولية بالطرق السلمية عن طريق المفاوضات أو الوساطة أو التحكيم الدولي). الدعوة إلى السلم الدولي دائماً ما نادت المملكة بضرورة العمل الجاد لتحقيق الأمن والسلم الدوليين والدعوة للحل السياسي والحوار لجميع النزاعات، تماشياً مع الأعراف والمواثيق الدولية، التي تحث على تكريس العمل من أجل السلام وتحقيقه، ومن أجل رفاهية الشعوب وتحقيق الأمن والاستقرار والدفع بعجلة التنمية المستدامة، وحث شعوب العالم ودوله على إرساء قيم التسامح والتعاون ونبذ جميع أشكال الكراهية والتفرقة بين الشعوب والثقافات التي تؤدي في مجملها إلى مزيد من الصراعات، وتدعو المملكة منظومة الأممالمتحدة وأصحاب المصلحة للمشاركة في تقديم برامج ومبادرات عملية تساهم في تحقيق المستقبل الذي نريد. والمملكة من منطلق دورها ومكانتها عربياً وإسلامياً، على مختلف الصعد، سواء سياسياً أو اقتصادياً، في موقع رئيس لتعزيز السلام وتوحيد الخطاب على المستوى العربي أو الإسلامي والتقليل من حدته ونبذ الكراهية وبناء جسور تواصل بين الشعوب العربية والإسلامية وغيرها من شعوب العالم، واحتواء الأزمات التي تنشأ داخلها. وبذلت المملكة جهوداً كبيرة في هذا السياق، لحل الخلافات والنزاعات، تبلورت في اتفاقيات وقمم ومؤتمرات ومشروعات نوعية سعت عبرها إلى جمع الفرقاء لتوحيد الشعوب وإنهاء الحروب، وتعزيز قيم التسامح والتعايش على المستويين الإقليمي والدولي. اتفاقيات سياسية اتفاقية جدة للسلام التي طوت في العام 2018 أطول نزاع في القارة الإفريقية بين إثيوبيا وإرتيريا، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وحضور ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، كما ساهمت السعودية في إنهاء قطيعة كبرى استمرت لأكثر من عشرة أعوام بين جيبوتي وإريتريا في 2018، إضافةً إلى (اتفاق الرياض) في نهاية العام الماضي الذي وضع أساساً للسلام بين الفرقاء في اليمن. وفي يوليو 2018، عززت المملكة حرصها على الأمن والاستقرار في أفغانستان، حين استضافت جلسات المصالحة بين الأطراف، في حين انعقد مؤتمر دولي للعلماء المسلمين حول (السلم والاستقرار في أفغانستان) لعرض آراء مختلف الأطراف في سبيل تحقيق المصالحة الأفغانية ووقف الإرهاب والتطرف. إضافة إلى ذلك، عقدت المملكة مؤتمرات جمعت بها العلماء ورجال الدين من مختلف الديانات والطوائف، لتوحيد الكلمة بينهم، وتأصيل قيم التعايش بين الشعوب على اختلاف أديانها ومذاهبها وثقافاتها ولغاتها، عبر جهات عدة، لعل من أبرزها رابطة العالم الإسلامي، ومركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات «كايسيد». تعزيز قيم التعايش كانت لهذه الجهود الأثر الملموس في تشكيل عدد من الوثائق، منها «وثيقة مكةالمكرمة» على هامش المؤتمر الدولي حول قيم الوسطية والاعتدال في العام 2019 التي تنص على مكافحة الإرهاب والظلم والقهر، ورفض انتهاك حقوق الإنسان وكرامته، وتأصيل قيم التعايش بين الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب المختلفة في العالم الإسلامي، وأقرتها 1200 شخصية إسلامية من 139 دولة من مختلف المذاهب والطوائف الإسلامية. ولهذه الاتفاقيات والوثائق دور كبير في جمع مختلف الأطراف وإنهاء الحروب وإعادة النماء وإرساء قيم التعايش وتحقيق السلم، كما أن استدامتها تعتمد على عوامل أخرى، من أهمها: استمرار التوافق بين مختلف الأطراف، إضافة إلى الجهود الدولية في ذلك، ومنع أي محاولات لإفشالها. ومن ضمن جهود المملكة والتي ترجمتها على أرض الواقع (محاربة الإرهاب والعنف، ونشر التسامح والحوار بين الأديان والثقافات المختلفة)، حيث قامت المملكة على المستوى الوطني بتنفيذ العديد من البرامج الأمنية والتوعوية لمكافحة الإرهاب والتطرف للتصدي للفكر الإرهابي وتحصين جيل المستقبل من هذه الإيديولوجيات. ولم تقتصر جهود المملكة على رعاية الاتفاقيات والمعاهدات وحسب، بل شملت تحركات رمزية عديدة تعبر عن أهمية تعزيز قيم التعايش، وبناء الجسور مع مختلف الديانات والثقافات، مثل تنسيق اللقاءات بين الشيوخ المسلمين والقساوسة والحاخامات، أو بين شيوخ من مختلف المذاهب الإسلامية والقساوسة والحاخامات ومسؤولين من المملكة، وهو ما يؤكد أن المملكة تسعى إلى تأكيد أهمية بناء الجسور بين الجميع والتصدي لخطابات الكراهية. ومن منطلق مركزها القيادي، حققت المملكة الكثير من المتغيرات في المشهد السياسي العربي والإسلامي والإقليمي، باتفاقيات تبعث السلام في المنطقة وتحالفات لتعزيز التعاون بين الدول، وشراكات يرقى بعضها إلى مستوى استراتيجي برعاية المملكة، إضافةً إلى الاتفاقيات بمختلف أشكالها على الصعيد الدولي، مثل ما تسعى إليه المملكة في الحكومات والمنظمات الدولية لنماء العديد من الدول ودعم حكوماتها وشعوبها، إضافةً إلى العمل على إزالة أسماء بعض الدول من قوائم الدول الراعية للإرهاب، وإزالة العقوبات الدولية السابقة، وتشجيع الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي على الوقوف إلى جانب هذه الدول.