أحد أهم ما أفخر به من مقتنيات مكتبتي الشخصية هي الطبعة الثانية من الموسوعة العربية العالمية، بمجلداتها الثلاثين وصفحاتها التي تجاوزت 21 ألف صفحة، لكن للأسف هذا المشروع السعودي العظيم توقف منذ طبعته الأخيرة دون معرفة الأسباب! لطالما كانت المكتبة العربية تعاني غياب المصادر الموسوعية الموثوقة للمعلومات مقارنة باللغات الحيّة الأخرى، ورغم المحاولات العديدة لإصدار موسوعة عربية إلا أن أغلبها - إن لم يكن جميعها - قد باء بالإخفاق لأسباب متعددة، منها ضخامة المهمة وغياب العمل المؤسسي، والأهم عدم توفر الميزانيات اللازمة لتغطية تكاليف المصادر وجيش العلماء والباحثين. قبل نحو ثلاثين عاماً وافق سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - على فكرة تبني تمويل مشروع ترجمة الطبعة الدولية من "دائرة المعارف العالمية"، ثم تطوّر المشروع لأن يكون إصدار موسوعة عربية عالمية، تعتمد في موادها على ترجمة متصرفة لدائرة المعارف العالمية، مع التنقيح والمواءمة والتوسع في الثقافة العربية والإسلامية، وأنشئت في الرياض مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع العام 1416ه (1995م) لتتولى إدارة البحث والتحرير والنشر. وبالفعل صدرت الطبعة الأولى العام 1996 واحتوت على 17 ألف صفحة و2500 خريطة والكثير من المعلومات والتفاصيل، شارك بها أكثر من ألف عالم وباحث ومستشار ومترجم ومحرر ومراجع علمي ولغوي ومخرج فني من المملكة والوطن العربي، لينتجوا أضخم عمل موسوعي ممنهج في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية، حقق استقبالاً لافتاً من الأوساط الثقافية، وردم فجوة مهمة في المكتبة العربية. هذا النجاح الباهر حد منه كثيراً ارتفاع سعر بيعها، الذي كان يناهز الألف ريال سعودي! ناهيك عن ضخامة حجمها الورقي، فهي تقع في ثلاثين مجلداً. بعد ثلاث سنوات صدرت الطبعة الثانية العام 1999م، وقد توسعت كثيراً وأضيفت موضوعات ومقالات عديدة. اقتحمت الموسوعة عالم الإنترنت بعد سنوات وكانت تتفوق على الموسوعة المفتوحة "ويكيبيديا" كونها محررة من علماء ومختصين وليست مفتوحة للتعديل والإضافة لأي شخص، غير أنها نشرت على نسختين: الأولى نسخة إعلامية مجانية تحتوي على مقتطفات من الموسوعة، إذ لا تحتوي إلا على أربعة آلاف مقال فقط، ونسخة أخرى كاملة يبلغ الاشتراك فيها 40 دولاراً، ولكن للأسف هذه النسخة الإلكترونية توقفت فجأة بعد سنوات دون سبب معلوم! كل الأمل بمؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية أن تأخذ على عاتقها - من جديد - تبني الموسوعة وتحويلها بوابة إلكترونية شاملة محدثة، تحفظ من خلالها إرث ما قامت به من جهد عظيم في تأسيس وتحرير الموسوعة، ومن ثم تحديثها بما يتوافق مع رؤيتنا وأيضاً المصداقية والنزاهة العلمية، مع إمكانية إضافة خدمات متقدمة بمقابل مادي حتى نضمن استدامة المشروع وعدم توقفه من جديد. كما أدعو وزارة الثقافة وهي تقود نهضتنا الثقافية الجديدة، أن تشارك في تبني هذه الموسوعة كجزء من إثراء المحتوى العربي الإلكتروني، وتأكيد لريادتنا الثقافية في المنطقة.