سعادتي غامرة، لرغبة المملكة أن تكون لاعباً مؤثراً في المنظمات الدولية، وكان ذلك بترشيح معالي محمد التويجري لمنصب دولي مهم، وهو منصب (مدير عام منظمة التجارة العالمية)، سعادتي تكمن في أننا نعود بعد انقطاع أكثر من ثلاثين عاماً، وذلك عقب ترشُح معالي القصيبي (رحمه الله) لمنصب مدير عام (اليونيسكو) العام 1999م. رشحت المملكة إحدى كفاءاتها الوطنية لهذا المنصب، ولهذه المنظمة تحديداً - وهّي المنظمة الوحيدة والمُلزمة والمُتعددة الأطراف في العالم والتي تعاني كثيراً من التراجع - رشحته لا ليخدم أجندتها ومصالحها، ولكن لتبرهن للعالم المُتقدم والعالم أجمع ما يمكن أن تقدمه الكفاءات الوطنية في المحافل والمنظمات الدولية. كان المتنافسون الثمانية على قدر كبير جداً من الكفاءة العلمية والعملية، وقد تجاوز مُرشحنا الجولة الأولى، ليكون ضمن الخمسة الأكثر قُرباً للظفر بالمنصب في الجولة الثانية، في هذه الجولة كانت الحظوظ أكثر لمرشحتي نيجيريا وكوريا الجنوبية، للذهاب للجولة الثالثة. عندما عُدنا بعد أكثر من ثلاثين عاماً، كان مرشحنا من الخمسة الأكثر كفاءة لتولي هذا المنصب في هذه المنظمة التي تضم في عضويتها أكثر من 160 دولةً. لم نخسر شيئاً، نعم لم نخسر شيئاً مقابل ما تعلمناه، فمن خلال تجربة ترشيح كفاءة وطنية لمنصب في منظمة دولية، فهناك عِدّة مكاسب. أبرز هذه المكاسب، التعرف على آلية واستراتيجية التحالفات والمفاوضات على المستوى الدولي، لمثل هذه المناصب، كذلك، كان هناك بلا شك بناء معرفي ومهاري للقدرات الوطنية لإدارة حملات الترشح، وكيفية خلق الأدوات والمُمكنات للحملة. علاوة على ذلك، فإن مثل هذه المفاوضات تُبّين لنا مواقف الدول، فيتبين لنا جلياً المواقف المؤيدة، وغير المؤيدة، والرمادية، والدول الداعمة، وكذلك المتخاذلة، فبمجرد معرفة هذه المواقف، ستتكون لدينا مواقف تفاوضية تجاه هذه الدول، عند طلبها دعم المملكة لمُرشحيها. من الضروري جداً، مواصلة ترشيح الكفاءات الوطنية سواء للمناصب العُليّا أو ما دونها من لجان وهيئات في هذه المنظمات، كذلك تأطير وتوثيق عمليات الحملات وإدارتها، وتنمية مهارات المفاوضات، وبناء المواقف، وتحديد المصالح، ووضع الأجندات المناسبة، وتحديد ما يمكن أن نعطيه، وما لا يمكن التضحية به، ما يجب أن نطلبه بالمقابل (Give & Take Approach ). أخيراً، أختم بما قاله معالي القصيبي (رحمه الله) عند انتهاء معركة اليونيسكو: (إن هزائم اليوم يمكن أن تتحول إلى انتصارات الغد).