تشهد المملكة العربية السعودية متغيرات اجتماعية واقتصادية وثقافية، وتحوّلات في الكثير من المفاهيم والمعطيات الاجتماعية، والمنجزات على الصعد والميادين كافة، تواكب النهضة الحضارية وتأخذ بأسباب الحداثة وكسر الوهم القائم على قاعدة أنه بإمكاننا أن نأخذ من الحداثة منتوجاتها، دون أن نتبنى قيمها، كما فعلت مجتمعات شرق آسيا، حسبما يقول غسان سلامة. في المقابل، لا بد أن نحرص على المحافظة على الثوابت، وأن ننشىء مقاربة لهذا الأمر فيما خص مشاركة المرأة السعودية في عملية البناء، ما يجعلنا نقول إنّ تجربة المرأة السعودية وحضورها المتألق تحولت من فكرة موجودة بالهيولى إلى أن تغدو واقعاً ومعطى في حياتنا اليومية؛ بحيث تجاوزت الأفكار البالية التي أعاقت تقدم المرأة، وعطلت فعاليتها. ولعل تسليط الضوء على مسيرة المرأة السعودية ودورها البنّاء، كان حصيلة واقعية لتفكير القيادة الخلّاق في المملكة، وبالتالي فإنّ مشاركتها في التنمية الشاملة هو بفضل وحرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، الذي يُعتبر بحق المحرك الأساسي والفاعل لعملية التقدم والحداثة ورؤية 2030 في المملكة. لقد شهدت المملكة تطوراً سريعاً في السنوات القليلة الماضية؛ مما كان له انعكاسات إيجابية على تمكين المرأة السعودية من القيام بدورها الطبيعي في مختلف المجالات، والمساهمة في عملية التنمية وآفاقها المتعددة، وهو أمر بات حقيقة للعيان لا يمكن تجاهلها. أثبتت المرأة السعودية، من خلال هذه المشاركة الفاعلة، براعة إدارتها وقدرتها، ومصداقية قيادتها، وتبوؤها الكثير من المناصب المهمة في الداخل والخارج، واحتلت مكانة اجتماعية ومهنية مميزة فكراً وإنتاجاً. كما تجلت قدرة المرأة السعودية، من خلال تحملها أعباء المسؤوليات الكبيرة التي أُسندت إليها، سواء في القطاعات الحكومية أو الخاصة، أو في المحافل الدولية. ولعل الأمثلة في هذا السياق كثيرة، ومن أهمها تبوؤ صاحبة السمو الملكي الأميرة ريما بنت سلطان بن عبدالعزيز منصب سفيرة المملكة لدى الولاياتالمتحدة الأميركية، بالإضافة إلى انتخابها عضواً في اللجنة الأولمبية الدولية وتعيين صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت عبدالعزيز آل مقرن مندوبة دائمة للسعودية في منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو». كما أنّ صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت محمد بن سعود تبوأت منصب نائب وزير السياحة، وهو ما يجسد امتلاكها الكفاءة الواضحة؛ حيث تسهم في تنفيذ السياسات والاستراتيجيات التي تشارك فيها الوزارة في سياق التنمية الشاملة، كما نلاحظ أنّ هناك الكثير من السيدات اللائي يعملن في هذه الوزارة، فهناك الأستاذة هيفاء الجديع التي تمتد خبراتها وكفاءاتها من العمل في الأممالمتحدة في نيويورك، إلى الدبلوماسية في واشنطن، إلى عملها الحالي مستشارة ومشرفة عامة على التعاون الدولي لوزارة السياحة، فضلاً عن أنّ الوزارة تميّزت بأنّ كامل فريق العمل في مجموعة العشرين هو من السيدات اللائي يتمتعن بالكفاءة والقدرة المهنية. المؤسسات الحكومية أصبحت تحتل مكانة متقدمة في الاستفادة من الخبرات والكفاءات وإنّ مشاركة المرأة، ودورها الفاعل في السعودية الجديدة يتضح أيضاً من خلال تعيين الأستاذة آمال المعلمي، في منصب سفير المملكة لدى مملكة النرويج، وتعيين الأستاذة جمانة بنت راشد الراشد رئيسة تنفيذية للمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، وهو منصب بالغ الأهمية، لارتباطه بالمحركات الإعلانية والإعلامية المختلفة، وهذه المنابر الثقافية والفكرية يستقي منها الجمهور الكثير من المعلومات والأفكار، وتسهم في صياغة المواقف والتأثير على الرأي العام إقليمياً ودولياً. وبلا ريب أنّ مسيرة الأستاذة جمانة تعكس مصداقية واضحة أهّلتها لتحمل هذه المسؤوليات الكبيرة، خصوصاً وأنّ وسائل الإعلام تؤثر وتتأثر، تثقف وتتثاقف في المجتمعات العربية والدولية. كما أنّ تعيين الفارسة دلما رشدي ملحس رئيسة للجنة الرياضيين الاستشارية المعنية بملف استضافة الرياض دورة الألعاب الآسيوية لعام 2030 يعد سابقة في عالم الرياضة، ليس في المملكة وحسب، بل في العالم، وهذه سابقة مهمة أنّ تتبوأ امرأة منصباً قيادياً في عالم الرياضة الذكوري، وعلاة على ذلك، تم تعيين د. فهدة بنت عبدالعزيز أل الشيخ ملحقة ثقافية في إيرلندا، ود. أمل فطاني ملحقة ثقافية في المملكة المتحدة، والقائمة تطول ويصعب تعداد جميع الكفاءات في هذا المقال، إنما نحاول الإشارة إلى نماذج من السيدات السعوديات من الكفاءات اللامعة في المؤسسات الحكومية. إنّ تنامي دور المرأة السعودية ووقوفها جنباً إلى جنب مع الرجل السعودي في بناء وازدهار بلادنا العزيزة، أمر أثبت نفسه في عهد حكومتنا الرشيدة، انطلاقاً من حرصها ومساندتها وإصرارها على تذليل الصعاب، وتمشيا مع رؤية 2030 وتمكين المرأة السعودية؛ للقيام بدورها الطبيعي في عملية التنمية وبناء مجتمع مزدهر. ما حققته المرأة مؤخراً يدل بوضوح على عزمها وإصرارها على المساهمة في إثراء التنمية، في ظل بيئة الوعي الاجتماعي العام، وهو ما ينبغي إسناده والإشادة فيه لأنّ المرأة هي المستقبل، كما يقول هشام شرابي، ودعمها ضروري في التنمية الشاملة، لأنها جزء لا يتجزأ من مقوّمات وعناصر القوة للمجتمع السعودي الجديد. *سفير سابق عبدالرحمن الجديع