فرضت جائحة فيروس كورونا المستجد تحديات غير مسبوقة على الصحة العامة العالمية، بما في ذلك على مستوى الاقتصاد العالمي، حيث عكست الجائحة بظلالها مؤدية إلى تباطؤ أداء الاقتصاد في النصف الأول من هذا العام، إذ أنه من المتوقع عدم حدوث تعافٍ كامل للاقتصاد العالمي خلال العام المقبل، حيث توقع صندوق النقد الدولي (International Monetary Fund- IMF)، انكماشا في الاقتصاد العالمي بنسبة 4.9 % في هذا العام وأن التعافي من الانكماش سيكون أبطأ من التوقعات السابقة. وبطبيعة الحال اقتصادنا الوطني لم يكن بمنأى عن تأثيرات الجائحة، باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، يؤثر ويتأثر بما يدور حوله من أحداث اقتصادية وأزمات مالية، سيما حين النظر إلى ما أحدثته الجائحة من اختلالات جوهرية في الطلب والعرض على النفط والتراجع الحاد الذي شهدته الأسعار في الأسواق خلال الفترة ما بين شهري يناير وإبريل الماضيين، حيث تجاوز سعر بيع برميل خام برنت في شهر يناير 63.8 دولارا للبرميل ليعود وينخفض إلى نحو 18.4 دولارا للبرميل في شهر إبريل. وتزامن مع انخفاض أسعار النفط العالمية، اتخاذ الحكومة السعودية للعديد من الإجراءات والتدابير الصحية والوقائية للمحافظة على صحة المواطنين والمقيمين في المملكة، التي من بينها حظر التجول الجزئي والكلي وإغلاق الطيران المحلي والدولي، مما أثر بشكل كبير وواضح على أداء الاقتصاد وتراجع الإيرادات العامة للدولة، والذي تزامن أيضاً بالتوسع في الإنفاق الحكومي على الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية، حيث أَولت الحكومة اهتماماً كبيراً في التوسع في الإنفاق وتوجيهه لدعم القطاعات والمجالات الحياتية والمعيشية للمواطن الأكثر إلحاحاً لمواجهة والتخفيف من آثار الجائحة، وذلك عبر العديد من البرامج والإجراءات والتدابير الاحترازية بمخصصات مالية تجاوزت قيمتها مبلغ 214 مليار ريال توزعت على ما يزيد على 142 مبادرة وبرنامجا بغرض المساهمة في الحفاظ على صحة حياة المواطنين والمقيمين على حد سواء كونها الهدف الأول والأسمى للدولة رعاها الله. تداعيات الجائحة كان تأثيرها واضحاً وفقاً للبيان التمهيدي للميزانية العامة للدولة للعام المالي 2021 على جميع المؤشرات والنتائج المالية المتوقعة لهذا العام، حيث على سبيل المثال توقع البيان انخفاض إجمالي الإيرادات بنسبة 17 % مما كانت عليه في العام الماضي لتبلغ 770 مليار ريال، وزيادة حجم الإنفاق بنسبة 0.85 % ليبلغ 1,068 مليار ريال، واتساع عجز الميزانية ليصل إلى 298 مليار ريال مرتفعاً من 133 مليار في العام الماضي، ليشكل ما نسبته 12 % من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنسبة 4.5 % في العام الماضي، في حين يتوقع لحجم الدين العام أن يصل في نهاية العام إلى 854 مليار ريال ليشكل ما نسبته 34.4 % . رغم التأثير المتوقع لجائحة كورونا على الأداء المالي والاقتصادي للمملكة لهذا العام، إلا أن أساسيات الاقتصاد (Economic Fundamentals) السعودي برأيي لا تزال قوية ومتينة ومرنة في نفس الوقت وقادرة على مواكبة المستجدات العالمية بمستوى عالٍ من الكفاءة، سيما في ظل مواصلة الحكومة العمل على تقييم المستجدات واتخاذ السياسات المالية الملائمة للرفع من الأداء وضمان الاستدامة المالية، إذ يتوقع أن ينخفض عجز الميزانية إلى نحو 5.1 % من الناتج المحلي الإجمالي في العام المقبل، وأن يتراجع تدريجياً على المدى المتوسط ليصل إلى نحو 0.4 % في العام 2023، والذي بدوره سيحقق تعزيز الاستقرار والاستدامة المالية للمملكة على المديين المتوسط والطويل.