يستعد الاقتصاد السعودي لتجاوز الأزمة الخانقة التي تسببت فيها جائحة كورونا بدءا من اليوم بعودة الحياة إلى طبيعتها بعد أشهر من الإغلاق، الجائحة تسببت في أزمة عالمية لا مثيل لها أزمة صحية خلفت خسائر بشرية هائلة، وأدت إلى أعمق ركود عالمي منذ الحرب العالمية الثانية، بعد أشهر من ضبابية المشهد يبدو أن هنالك انفراجة فقد تجاوزت أوروبا الأزمة ودبت الحياة فيها مرة أخرى، إلا أن دول أميركا الجنوبية والهند بدأت تسجل إصابات كثيرة، والسيناريو الأسوأ لو حدثت موجة ثانية بعد تخفيف الدول للاحترازات الصحية الأمر الذي قد يستغرق وقتاً أطول لتحقيق انفراجه جديدة في الأزمة الصحية، سيؤدي الوباء بكل تأكيد إلى انكماش في الاقتصاد العالمي ولكن التأثير الأعمق سيكون في الاقتصادات النامية ويتوقع البنك الدولي انكماشا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العام 2020، على الرغم من الدعم غير المسبوق من البنوك المركزية، المملكة كانت صارمة في الإجراءات الاحترازية منذ البداية مما جعلها من أقل دول العالم في عدد الوفيات، ولا شك أن الإجراءات الاحترازية كانت مؤثرة على الاقتصاد إلا أن ذلك قابله إجراءات دعم غير مسبوقة منذ بداية الأزمة للحفاظ على الاقتصاد وعدم تعريض المواطنين لفقد وظائفهم وصُرفت مرتبات موظفي القطاع العام كاملة مع كافة البدلات وهم متوقفون عن العمل لمدة قاربت الثلاثة أشهر، والإنفاق على الصحة زاد بأكثر من 50 % من الميزانية المخصصة للوزارة، كما أن الإيرادات أصبحت لا تغطي حتى مرتبات موظفي الدولة التي تُقدر بنحو 500 مليار ريال، هذا الخلل الكبير في المالية العامة كان بمثابة تحدٍ كبير أمام الحكومة لتجاوز الأزمة بأقل الأضرار ويبدو أن خطتها سوف تنجح وتتمكن من إعادة الاقتصاد إلى معدلات النمو الإيجابية بدءا من العام المقبل بحول الله، إجراءات وزارة المالية كان فيها توازن لسد عجز الميزانية من خلال ثلاث قنوات وهي السحب من الاحتياطيات والاستدانة ورفع الإيرادات غير النفطية وهذا التوازن في معالجة العجز سوف يبقي التصنيف الائتماني للمملكة عند المستويات التي لا تؤثر على قدرة الحكومة على الاستدانة بتكاليف منخفضة وتخفيف الأعباء المالية خلال السنوات المقبلة وتمكين الحكومة من تنفيذ برامجها ومشروعاتها العملاقة. الحقيقة أن الأسوأ قد مضى وتركناه خلفنا وأصبح من الممكن التعايش مع الفيروس مع تطبيق الإجراءات الاحترازية وإن كانت مؤثرة على النشاط الاقتصادي ولكنها أفضل بكثير من الإغلاق الجزئي أو الكلي للاقتصاد وإن حصل إغلاق في المستقبل فسوف يكون محدودا ببؤر انتشار العدوى بما لا يؤثر على الاقتصاد الكلي والمبشرات عن العلاج أو اللقاح تتوالي وقد يكون طرح اللقاح أسرع من المتوقع وهو ما يعجل في تعافي الاقتصاد العالمي، العام الحالي 2020 هو عام للنسيان إن تم تجاوزه بأقل الأضرار، فهذا هو الطموح ونعول بحول الله على قدرة السياسات المالية الحكيمة والاستراتيجيات الفعالة في إعادة النمو للاقتصاد السعودي بوتيرة أسرع من المتوقع ولعل المملكة تكون من أسرع الدول في العالم تعافياً من الأزمة الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا، ويقدر البنك الدولي بأن تحقق المملكة في العام المقبل 2021 معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي بنحو 2,5 % وهذه التوقعات إن تحققت فهذا جيد، وقد تكون العوامل المساعدة على عودة نمو الاقتصاد السعودي هي تعافي أسعار النفط والمرشحة للارتفاع خلال العام المقبل مع عودة الطلب العالمي وحسب توقعات المحللين فإن متوسط السعر سوف يكون في حدود 44 دولارا للبرميل وهذه المستويات السعرية للنفط مع أنها أقل بنحو 10 دولارات عن متوسط السعر المقدر في الميزانية إلا أنها قد تحد من نمو إنتاج النفط الصخري وهو ما قد يرفع معدلات الإنتاج النفطي للمملكة وزيادة حصتها السوقية، الإيرادات غير النفطية وهي الرافد الثاني للميزانية مرشحة أيضاً للارتفاع وقد تغطي فروقات تراجع أسعار النفط، أما برامج الرؤية والمشروعات العملاقة والسياحة سوف تكون داعمة للنشاط الاقتصادي وخلق فرص استثمارية مباشرة وغير مباشرة، أما صندوق الاستثمارات العامة سوف يحقق إيرادات عالية بعد الصفقات الكبيرة والمتنوعة التي أضافها إلى محفظته خلال الأزمة وإن كان بعض منها استثمارات طويلة الأجل إلا أن بعضها قد يتم التخارج منها بعد أن حققت أرباحا رأسمالية عالية، وبعد النجاح الاستثماري الذي تحقق للصندوق قامت الحكومة بتحويل 40 مليار دولار من احتياطي الدولة من أجل استثمارها من قبل الصندوق وتحقيق عوائد أفضل من العوائد التي كانت محصورة ما بين السندات الأميركية والودائع الزمنية والتي تراجعت كثيراً بعد خفض أسعار الفائدة. أزمة كورونا وإن كانت مؤثرة بشكل كبير على الاقتصاد السعودي هذا العام إلا أن لها فوائد كبيرة قد تغير كثيراً من الخطط والبرامج وفتح آفاق جديدة ورؤى مختلفة كلياً، كما أن الأزمة أظهرت للعالم وللمستثمرين وخصوصاً المستثمر الأجنبي أن المملكة هي البيئة الأكثر أماناً للاستثمارات فالشفافية التي أظهرتها المملكة والجاهزية العالية لمواجهة الكوارث وقدرتها على التعامل مع كل السيناريوهات بكل سلاسة وحماية الإنسان والأعمال من تبعات الأزمة كل ذلك أعطى انطباعاً أكثر من رائع ولم نشهد خلال الأزمة خروج الاستثمارات بل زادت مع تعزيز حكومة المملكة ثقة المستثمرين بالاقتصاد السعودي وسوف نشهد بحول الله بعد انتهاء الأزمة تدفق استثمارات أجنبية عالية وقد تكون تاريخية.