يوم اتخذَت الأُممُ المتحدة (في دورتها السنوية الثامنة والعشرين - ديسمبر 1973) قرارَها رقم 3190 ب»اعتماد العربية لغةً رسميةً للجمعية العامة وسائر هيئَاتها»، فباتَت السادسةَ رسميًّا (مع الإِنجليزية والفرنسية والإِسبانية والروسية والصينية)، برَّرَت قرارَها ب»ما للُّغة العربية من دورٍ في حفْظ حضارة الإِنسان وثقافته، ونشْرهما في العالم». غير أَنَّ ما لم يَلْحظْهُ القرار، وربما لم يعرفْهُ مُعِدُّوهُ حينئذٍ، كون العربية تمتاز عن تلك الخمس الرفيقات، وكثيراتٍ سواها، بخصائصَ فريدةٍ منذ فجرها السحيق. فأَن تكون لغة «الضاد» ليست وحدها ميزةً تفيها ثَراءَها حيال لغات أُخرى. من ذاك الثَراء: أَنَّ مئاتٍ من الكلمات العربية دخلت معظم اللغات المعتمدة في منظمة الأُمم المتحدة، وباتت على أَلسنة الناطقين والكاتبين بها، ودخلَت قواميسَها التي يقرُّ كثير منها بجذورها العربية. من الثَراء كذلك: عبقريةُ المُثَنَّى. ففي أَيِّ لغةٍ لا بُدَّ من ردف كلمة «اثنين» بالكلمة المقصودة حتى تعطي معنى المثَنَّى، بينما العربية زاخرة بالمثَنَّى في الكلمة ذاتها، مُذَكَّرِها والمؤَنَّث، فنقول «كتابَين» و»صفحَتَين» دون حاجتنا إِلى الكلمة المسْبَقة الدالَّة على الثنائية. من ذاك الثَراء أَيضًا: المرادِفات. ففي معظم اللغات يتكوَّن المعنى بكلمةٍ تناسبُه، عدا بضع مفردات تقاربه وقد لا تُصيبه. بينما العربية تَغْنى بمرادِفات تَبلغ مئاتٍ عدَّةً للمفردة الواحدة، ما لا يتوفر في أَيٍّ أُخرى من اللغات العالمية. من هنا بلوغُ المفردات العربية مئات المئات من الآلاف، بينما اللغات الأُخرى لا تبلغ منها سوى بضع مئات. وبعدُ من علامات الثراءِ: التقارُبُ في المعاني حتى التوازي في المضمون. وما دمنا في «الرياض»، أَنسُج هذا التقارب: في مقال للزميل سعد الحُمَيدين («الرياض»- السبت 15 محرم 1436ه. - 8 نوڤمبر 2014م. - العدد 16938) وَرَدَ هذا البيت للشاعر المهجري الياس فرحات: «يا عروسَ الروض يا ذاتَ الجناحْ.. يا حمامة». وهنا نحن: الروض (وكذا مؤَنثُه الروضة) جَمْعُه الرياض، والحمامةُ عروسُهُ، والحمامةُ رِدْفُها اليمامة، و»الرياض» (الجريدة) تَصدُر عن «اليمامة» (المؤَسسة الصحافية). هكذا إِذًا: تقاربَت المعاني في ثَراء اللغة بين الرياض وعروسِها الحمامة أُختِ اليمامة، مخزونًا ثقافيًّا للعربية قلَّما (كي لا أَنفي تمامًا) يتوفَّر في أَيٍّ أُخرى من لغات الأُمم المتحدة الخمس التي تتوِّجها العربية بثَراها الجَمّ. ولْأَختُم: بهذا الغنى الفريد تَرفُدُنا به لغتُنا الأُم، أَشعُر بالدخول منذ هذا الأُسبوع، وكلَّ خميس، إِلى الرياض «في رحاب الرياض».