تحتفل المملكة بالذكرى التسعين لإعلان تأسيسها على يد المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه -، ففي اليوم التاسع من شهر جمادى الأول من سنة 1351ه، تم الإعلان عن قيام المملكة بعد توحيدها وتسميتها للمرة الأولى بهذا المسمى. وحدد يوم 23 سبتمبر من كل عام للاحتفال باليوم الوطني (الأول من الميزان)، ففي ذكرى هذا اليوم تعيش بلادنا فرحة يومها الذي أصبح يسكن الأعماق، فيه سيرة الملك المؤسس الذي وحد أجزاء هذه البلاد المترامية الأطراف، بعد جهاد استمر اثنين وثلاثين عاماً، أرسى خلالها قواعد هذا البنيان على هدي كتاب الله وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، سائراً في ذلك على خطى أسلافه من آل سعود الميامين لتنشأ في ذلك اليوم دولة متينة تزهو بتطبيق شرع الله، وتصدح بتعاليمه السمحة وقيمه الإنسانية في مختلف أصقاع المعمورة، ناشرة السلام والخير والدعوة المباركة، باحثة عن العلم والتطور، وسائرة بخطى حثيثة نحو غدٍ أفضل لها ولجميع المجتمعات. دولة وتاريخ لم يفت في عضد الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصين قلة العدد والعدة، وانطلق من الرياض بذلك الإيمان الصادق في جهاده حتى جمع الله به الصفوف وأرسى دعائم الحق والأمن والإيمان. فتوحدت أرجاء البلاد وأينعت تلك الجهود أمناً وأماناً، واستقراراً، وتحول المجتمع من قبائل متناحرة إلى شعب متحد ومستقر يسير على هدي الكتاب والسنة، وتفيأ المواطن بالأمن والأمان، وكذا الحاج والمعتمر وزائر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصبحت السبل إلى الحرمين الشريفين ميسرة، وهي الغاية التي كانت هاجس الملك عبد العزيز بغية خدمة دين الله وخدمة المسلمين كافة. وقد اعتمد في علاقة المملكة وسياستها الخارجية على منهج التوجه الإسلامي القويم، فقد دعا - رحمه الله - إلى التعاون العربي، والتضامن الإسلامي، وأسهم في تأسيس جامعة الدول العربية واشترك في عضوية الأممالمتحدة عضواً مؤسساً، كما كان له جهود مشكورة في القضية الفلسطينية، فكان يؤكد على حقوق الفلسطينيين والدفاع عن قضيتهم فسخر لها دبلوماسيته المعهودة ودافع عنها في اتصالاته المستمرة مع زعماء العالم. تأتي ذكرى اليوم الوطني للتأمل وأخذ العبرة من صفحات التاريخ إذ كانت البلاد تعيش التمزق والشتات، وتئن تحت وطأة البؤس والجوع والفقر لا يجمعها رأي، ولا تلتقي على غاية، حتى قيض الله القائد الفذ عبدالعزيز - رحمه الله - الذي حمل على عاتقه مهمة إعادة دولة إسلامية التي رعت الدعوة السلفية، فكانت هذه الوحدة نموذجاً رائعاً لالتئام شمل الأمة الذي يعكس بحق معنى الوحدة والتضامن. ورحل الملك عبد العزيز - رحمه الله - بعد أن أرسى منهجاً قوياً سار أبناؤه لتكتمل أطر الأمن والسلام وفق المنهج والهدف نفسه المستمدين من شرع الله المطهر كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. وفي هذا العهد الزاهر عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي العهد الأمين محمد بن سلمان، تعزز دور المملكة في الشأن الإقليمي والعالمي، سياسياً واقتصادياً وتجارياً، وأصبح للمملكة دور ووجود في المحافل الدولية وفي صناعة القرار في دوائر الحوار العالمي على اختلاف منظماته وهيئاته ومؤسساته. ودخلت المملكة ضمن العشرين دولة الكبرى الاقتصادية في العالم، وحافظت المملكة في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله - على الثوابت الإسلامية واستمرت على منهج المؤسس، فصاغت بنهضتها الحضارية ووازنت بين تطورها التنموي والتمسك بقيمها الدينية والأخلاقية. لقد شهدت الأماكن المقدسة في مكة والمدينة وبقية المشاعر خلال هذه السنوات نقلة نوعية في المشاريع والخدمات التي تقدمها الدولة لضيوف الرحمن حجاج بيت الله يعجز اللسان عن وصفها فقد تابع - حفظه الله - أكبر توسعة للمسجد الحرام والجمرات، لم يشهد مثلها في التاريخ. إن اليوم الوطني يذكرنا بجهود وسيرة مؤسس وحدة الوطن وصانع استقراره المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه -، فتلك الجهود تستحق الفرحة وأن تقام لها المناسبات والاحتفالات بكل فخر. * عضو هيئة تدريس/ قسم التاريخ رئيس مجلس إدارة الجمعية التاريخية السعودية