تحتفي المملكة قيادة وشعبا اليوم، بالذكرى ال80 لإعلان الملك عبدالعزيز رحمه الله توحيد هذه البلاد المباركة تحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وإطلاق اسم المملكة عليها في 19 جمادى الأولى عام 1351ه بعد جهاد استمر 32 عاما أرسى خلالها قواعد هذا البنيان على هدي كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم سائرا في ذلك على نهج أسلافه من آل سعود، لتنشأ في ذلك اليوم دولة فتية، تزهو بتطبيق شرع الإسلام، وتصدح بتعاليمه السمحة، وقيمه الإنسانية، في كل أصقاع الدنيا، ناشرة السلام والخير والدعوة المباركة، باحثة عن العلم والتطور، سائرة بخطى حثيثة نحو غد أفضل لشعبها وللأمة الإسلامية وللعالم أجمع. ويستعيد أبناء المملكة ذكرى توحيد البلاد، وهم يعيشون واقعا جديدا، خطط له خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز؛ واقعا حافلا بالمشاريع الإصلاحية، بدءا بالتركيز على إصلاح التعليم والقضاء، مرورا بالإصلاح الاقتصادي، وصولا إلى بناء مجتمع متماسك، عماده الوحدة الوطنية. وبالعودة إلى التاريخ، فقد ارتسمت على أرض المملكة مسيرة توحيد في ملحمة جهادية تمكن فيها الملك عبدالعزيز رحمه الله من جمع قلوب أبناء وطنه وعقولهم على هدف واعد نبيل، قادهم في سباق مع الزمان والمكان في سعي إلى عمارة الأرض بتوفيق الله وما حباه الله من حكمة إلى إرساء قواعد وأسس راسخة لوطن الشموخ، على هدي من كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، فتحقق للملك عبدالعزيز هدفه، فنشر العدل والأمن بتيسير الله وفضله، واستمر في العمل من أجل ذلك أعوام عمره. ويستذكر اليوم، أبناء المملكة هذه الذكرى المشرقة باعتزاز وتقدير للملك عبدالعزيز طيب الله ثراه في شكر للنعمة والدعاء لمن عمل على تحقيقها لهذه البلاد مترامية الأطراف ولمواطنيها، فكان الخير الكثير بوحدة أصيلة، حققت الأمن والأمان بفضل من الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل جهاده وعمله الدؤوب. ومثلما يستلهم السعوديون من ذكرى التوحيد همة وعزيمة لمواصلة العمل والعطاء للرقي وطنا وشعبا وأمة، يقف الباحثون والمؤرخون وقفة تأمل وإعجاب في تاريخ هذا الكيان الشامخ القادر على البناء وتخطي العوائق والصعاب، والتغلب على كل التحديات بفضل من الله وتوفيقه أولا، ثم بالإيمان القوي والوعي التام بوحدة الهدف وصدق التوجه ثانيا، في ظل تحكيم شرع الله والعدل في إنفاذ أحكامه لتشمل كل مناحي الحياة. وكانت الدولة السعودية الأولى قامت عام 1157ه بمناصرة الإمام محمد بن سعود لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله الهادفة إلى العودة إلى الإسلام الصحيح وتصحيح المعتقدات مما شابها من الشبهات والجهل، ولذلك قام بجهود كبيرة في مؤازرة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وتطلعاته إلى مجتمع تتمثل في جميع شؤون حياته سمات المجتمع المسلم الصحيحة. وتعاهد الإمام والشيخ في ذلك العام على التعاون للعودة بالمجتمع في جزيرة العرب إلى عقيدة الإسلام كما كانت عليه في صدر الإسلام، ووفقا لما جاء به رسول الأمة محمد عليه الصلاة والسلام، وسارا على هذا السبيل لتحقيق هذا الهدف الكبير. بعد ذلك تتابع جهاد آل سعود منطلقين من المنطلق ذاته، فلم تنطفئ جذوة الإيمان في قلوب الفئة المؤمنة بانتهاء حكم الدولة السعودية الأولى بعد زهاء 46 عاما؛ بسبب التدخل الأجنبي. وفي العام 1240ه قامت الدولة السعودية الثانية بقيادة الإمام المؤسس الثاني تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود رحمه الله الذي واصل ومن بعده أبناؤه نهج أسلافهم نحو 68 عاما، حتى انتهى حكم الدولة السعودية الثانية عام 1308ه نتيجة عوامل داخلية. وبزغ فجر اليوم الخامس من شهر شوال من عام 1319ه إيذانا بعهد جديد، حيث استعاد الموحد الباني الملك عبدالعزيز رحمه الله مدينة الرياض ملك آبائه وأجداده، في صورة صادقة من صور البطولة والشجاعة والإقدام، فوضع طيب الله ثراه أولى لبنات هذا البنيان الكبير على أسس قوية هدفها تحكيم شرع الله والعمل بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وواصل الملك الموحد عبدالعزيز جهاده لإعلاء كلمة الله ونشر عقيدة التوحيد الصافية، والعودة بالأمة في هذه البلاد المباركة إلى دين الله عودة نصوحا على نهج قويم يحوطه الحزم وقوة الإرادة. ولم يفتّ في عضد الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصين قلة العدد والعدة، وانطلق من الرياض بذلك الإيمان الصادق في جهاده، حتى جمع الله به الصفوف، وأرسى دعائم الحق والعدل والأمن والأمان. ورحل الملك عبدالعزيز رحمه الله بعد أن أرسى منهجا قويما سار عليه أبناؤه البررة من بعده، لتكتمل أطر الأمن والسلام، وفق المنهج والهدف نفسه، المستمَدين من شرع الله المطهر كتاب الله وسنة رسوله .